Wednesday, November 4, 2015

ابن عتيج

ابن عتيج






في 1919 توفي ابن عتيج وهو لم يتجاوز الأربعين، ولم يتزوّج بعد،
كانت وفاته شبيهة بحياته، فلقد راعه أن يقلْن عنه الياسيات شيئا سيلاحقه أبد الدهر، فلم يكن يبحث عمّا يقيه رصاص غارة الشوامس على بيوتات من المناصير الذين حلّ ضيفاً عليهم.
كانوا يقولون له: اتّقا يالشاعر (أي اتقي الرصاص بما يحجبه عنك)
وكان ردّه عليهم وهو لا يزال يواصل الرمي: منقود، شو بيقولن عني الياسيات؟.
وفي حقيقة الأمر أراد ابن عتيج ياسيّةً منهن بعينها، أحبّها ، ولقد كانت فجيعته في أنها متزوجة من رجل آخر.
كان بوسع الناس في تلك الأيام أن يزور بعضهم بعضا، وكان بمقدوره أن يدخل على ياسيّته كلما أراد ذلك، إلى أن نمى إلى زوجها أن ابن عتيج عاشقا لها فنهاها عن استقباله، وأغلقت الباب دونه، وكان ذلك أوّل موت يختبره ابن عتيج في حياته، ولكنه جنس من الموت لم يترك الرجل حتى يوم مقتله الذي جاء برصاصة من المغيرين في صدره.
من يوم غلّق بابه يا ريلي ما وطت
بدفن حبّه شبابه وآغزّر له تحت
لو هو ما ينسخى به قم يا الحسود اشمت
لقد ترك الشاعر المنادي منذ مئة عام يرفع صوته دون أن يجد من يقصد السفن
أشعر في تلك اللحظة وكأن كل شيء سال من صدر بن عتيج، ولكن الياسية التي أغلقت بابها دونه كانت أوسع من جرحه فمكثت في صدره. او كأنه تمثّل قول ابي الطيّب:
مثّلت عينك في حشاي جراحة فتشابهت كلتاهما نجلاء
حدّثني الوالد ورفع روايته إلى صديقه محمد بن بليد رحمه الله، وكان صديقا لابن عتيج، أنّ ابن عتيج قصّ عليه حلما قبيل مقتله، قال انّه رأى في منامه في اليوم الذي توفّي فيه أن رصاصة اخترقت صدره، وأراد أن يتبيّن إن كان سينجو منها، فوضع يده على أنفه وصار يحاول أن يأخذ شهيقا ويطلقه ليعرف إن كان الهواء سيمكث محبوسا في رئته أم لا.
فاستيقظ من نومه وهو يردّد: اللهم احمي الربع
فلقد حدس أن هناك احتمال أن يصاب أحدهم بمكروه
ولقد فجعه هذا الأمر، ولكن الإصابة جاءت به
وكأنه شعر أن الحياة لم يعد فيها ما يستحق أن يعيش من أجله منذ أن غلّقت ياسيّته الأبواب دونه.
تذكرت امّ احمد رحمها الله، كنت اذا هاتفتها ترد العمّة اليازية، مرحبّة بالهاتف العزيز، وعندما اطلب السلام على ام احمد، تهتف العمّة منادية ام احمد: يا يعقوب، يوسف على التيلفون، وكنت اذا جئتها زائرا اقدّم ابيات ابن عتيج في قصيدة حمدان لتعتذر عن تقصيري عن غيابي الطويل:
واللي تحبه باطني وظاهر تسمح ولو هو من جداك يعيل
وتغفر زلاّته ولا تطريها ويكون له طرف العيون كليل
وكانت رحمها الله تستعيدني الأبيات مرارا والفرح يغمر المكان.

http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_article_indetail.php?articleid=24

No comments:

Post a Comment