Thursday, April 14, 2016

إسبريسو الصباح في ميلانو



 
ما همّ إيطاليا، إذا كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي هو أول من راح يقدّم القهوة على طريقته، أو ذاك الراعي الذي كان يراقب أغنامه التي دبّ بها النشاط وهي تأتي على الحبوب الحمراء المتساقطة من تلك الشجرة المباركة، إنمّا المّهم أنه ما إن قبض "لويجي بيزيرا" على حفنة من ذلك الزمرّد حتّى ألقاه في آلته البخاريّة الحديثة الصنع عام 1903م، لصنع أوّل فنجان "اسبريسّو" في ميلانو. ثلاث رشفات أو أربع لا أكثر، هكذا أرادها الإيطاليّون.
ثمّ طوّروا "الكابتشينو" فيما بعد، وهي قهوة مع الحليب، ف"الكافي لاتيه"، وهي كابتشينو بدون أو بقليل من الحليب، ف"الكوريتّو" أي الممزوجة بالبراندي أو الجرابا، ف"الكوفي فريدو" أي القهوة الباردة، ف"اللّنجو" أي الإسبريسّو المخفّفة، ف"الماكياتو" أي مع الحليب المسخّن بالبخار، ف"الريستريتّو" وهي الإسبريسّو الثقيلة، وأظنّهم عازمون على المضّي في إبداع قائمة لا حصر لها من الأسماء.
في مقهى زوكا الذي وقفنا به وقفة البدّوي على الأطلال، فانبعث طيفا "فيردي" و "توسكانيني" يحتسيان الكامباري أو الكامبارينو، الشراب التي اشتهر به المكان، وددت لو دعوتهما إلى زيارتي على رأس عرقوب في محاضر "ليوا" في الإمارات في ليلة شتاء لأضيفهم فنجان قهوة مزاجها الهيل، نشعل الغضا لها خشبا على الطريقة السديريّة:
يا بجـاد شـب النـار وادن الدلالـي واحمس لنا يا بجاد ما يقعـد الـراس
ودقّة بنجـرن يـا ظريـف العيالـي يجذب لنا ربعن على اكـوار جـلاّس
وزلّـه ليامنـه رقـد كـل سـالـي وخلّـه يفـوح وقنـّن الهيـل بقيـاس
ما الذي كان سيحدثه فنجاننا ذاك على موسيقى (الهاون والرشاد) يعزفها نشميّ هذّبته البادية، نشأ (على حلوة رعيٍّ واحتلابي)، في روح الموسيقار، لو عادت بنا عجلة الزمان مائة عام إلى الوراء.
آلات الإسبريسّو القديمة المنتشرة في بعض مقاهي "ميلانو" تحمل اسم "بافوني"، فرحت أسأل: أين ذهب "لويجي" صاحب الآلة؟ فعلمت بعد لأي وعناء، أن التاجر "بافوني" كان أول من جرّب فنجان الإسبيريسّو في دار المخترع، فاشترى براءة الإختراع عام 1905م، وسرق عصا الساحر التي راحت تقدّم فناجين القهوة كلّما حرّكتها يد القابض إلى يومنا هذا.

No comments:

Post a Comment