Saturday, April 23, 2016

في مقام شكسبير


 
 
 
تذّكرت زيارتي الأولى مع الوالد لمنزل "شكسبير" في "ستراتفورد ابون افون" منتصف السبعينات، فقلت لوالدي ونحن نمضي في نزهة في صباح يوم بهيّ: ما أعظم شكسبير؛ إذا كان المتنبي ربابة فشكسبير أوركسترا هادرة.
قال: هات ما عندك، فقلت: سأقلّب معك أبياتا حفظتها، وسأعرض عليك ترجمات عربيّة، وسأقترح ترجمة أخرى لبعضها، فقال لي تفضّل، فقلت: يقول "شكسبير" في العاصفة على لسان الروح –سبيريت- ايريال:
Come unto these yellow sands,
And then take hands.
Come onto these yellow sands,
And we’ll join hands,
وهذه ترجمها (مارون عبّود) كما يلي:
هلمّوا إلى هذه الرمال الصفراء
وضمّوا أيديكم المرتجفة العفراء
وسنضمّ أيدينا مع بعضنا البعض.
ومأخذي على ترجمته هذه، هي إقحام صورة ليست في النص الأصلي، فمن أين جاء بـ (المرتجفة العفراء)؟ ولذا أقترح الترجمة التالية:
تعالَ إلى هذه الرمال الصفراء
ولتأخذ أيدينا آنئذ بيدي بعض
تعالَ إلى هذه الرمال الصفراء
ولندع أيدينا متعانقة.
ولننتقل إلى قول الشاعر في المشهد الثاني، من الفصل الثالث، من العاصفة:
Be not afeard; the isle is full of noises,
Sounds and sweet airs, that give delight and hurt not.
Sometimes a thousand twangling instruments
Will hum about mine ears, and sometime voices
That, if I then had waked after long sleep,
Will make me sleep again: and then, in dreaming,
The clouds methought would open and show riches
Ready to drop upon me that, when I waked,
I cried to dream again.
يقول عبّود في ترجمتها:
لا تفزع. إنّ الجزيرة ملأى بالتمتمات والأصداء، والأناشيد الساحرة التي تفعم النفس طرباً ونشوة. وربّما سمعت ألف آلة تعزف دفعة واحدة أحيانا، فتصمّ أذنيّ، ثمّ تليها أصوات ودبكات توقظني كأنّي غائص في بحر النوم، بل بالحري تجعلني أرقد ثانية لأرى الحلم غماماً ينفتح ويفسح لي مجال التمتع بمشاهد كلها روعة وجمال. وكم خيّل إليّ أن السماوات توشك أن تسقط من علاها على رأسي، فأبكي حالما أفيق بكاءً مراً وأتمنى متابعة حلمي السحري.
أمّا ما أجده أليق بالمعنى فهو:
هدّئ من روعك؛ فالجزيرة ملأى بالجلبة،
والأصوات والأجواء العذبة التي تمنح المسرة بلا أي ضير.
إنّ ألفاً من آلات الطرب تصدح تارةً
حول أذني، وطوراً تترقرق الأصوات التي
لو أني صحوت عليها بعد طول رقاد،
فستردني إلى النوم العميق من جديد: وسأحلم آنئذ
بكل ما أتخيل من سحب تغدق بالنعم التي
سرعان ما تنهمر عليّ، حتى إذا صحوت
فكم أتلهف أن أحلم من جديد.
أليست (الجلبة) كلمة أعذب من التمتمات والأصداء وأقرب إلى المعنى الأصلي، وكذلك أليست الجملة (تصدح حول الأذن) أجمل من تصمّ أذنيّ، وجملة (سُحبٌ تُغدقُ بالنّعم) أسمى من جملة تسقط من علاها على رأسي.

No comments:

Post a Comment