Monday, May 30, 2016

لم تكن تحتاج أكثر من إتصال !

 
ها أنا في مقهى "الريجنت" قرب حديقة الورود، حيث كنت أرمق الشاعر (نزار قبّاني) يقضي بعض وقته بها قبل أن يتوفاه الله، في مقهى تلفه أشجار البلوط بجذور سيقانها الفيليّة.. إنّها المقهى التي يفضّلها نزار قبّاني عندما يريد أن يصغي إلى صمته..
فتذكرت ذاك اللقاء الذي جمعه بـ (الوالد) عندما حلّ الشاعر ضيفاً على المجمع الثقافي في أبوظبي، وقف (نزار) مادّا يده بالأحضان عندما دخل عليه الوالد وهو يقول: اشتقت إليك، فعلمني أن لا أشتاق، علّمني كيف أقص جذور هواك من الأعماق.
وكان الوالد يجيبه وهو يتقدم نحوه:ما زلت أحرث كالحصان على السرير الواسع، حتى يلتقيا فيتعانقان.
.
ولطالما سرد (نزار) حكاية الزيارة التي قام بها الوالد إلى مقرّ الشاعر في فندق "الإنتركونتيننتال" في أبوظبي، عندما كان مدعواً لفعاليات الموسم الثقافي في وزارة الخارجيّة في السبعينات، وعندما لم يجده، ترك الوالد رسالة دعاه فيها إلى زيارته في مقر عمله بوزارة الخارجية.
وفي صباح اليوم التالي، زار (نزار) الوالد في مكتبه، وقال له: لماذا تجشّمت عناء المجيء، لم تكن تحتاج إلى أكثر من اتصال وسآتيك بنفسي..
فقال الوالد: يانزار، بالرغم من أنك رجل عملت في المجال الدبلوماسي هل بوسعك أن تخبرني شيئاً عن وزير الداخلية في عهد "اليزابيث" الأولى أو وزير خارجيتها؟ فتفكر نزار قليلا وقال: لا، لا يمكنني ذلك.
فقال له والدي ولكنك تعرف شاعرها "شكسبير"،أليس كذلك؟
فاجاب بنعم..
هكذا هو الأمر يا نزار، فما يبقى يؤسسه "المبدعون"، لأن عملهم تدوين لسيرة الروح والعقل، أما "الساسة" فزبد يذهب في الأرض.
وبعد سنوات على موقف والدي.. اتصل بي (نزار) وهو يشكو إليّ حظره دخول دولة الإمارات، وسألني أن أعرف السبب وأتدخّل لإبطاله، فذهبت من فوري إلى أخي الشيخ/ حمدان بن زايد، وكان وزير الخارجية في ذلك الحين، وسردت عليه موقف الشاعر، وما كان من أمره مع أوّل وزير للخارجيّة والدي أحمد خليفة السويدي.
فقال الشيخ حمدان: لا علم لي بالأمر، وسأعمل شخصياً على الإتصال به وإعادة الأمور إلى نصابها. وبالفعل اتصل الشيخ حمدان مشكوراً بـ "نزار قباني"، ودعاه إلى القدوم، ورحّب به باسم دولة الإمارات، وباسمه شخصياً ... وها أنا ذا في مقهى "الريجنت" قرب حديقة الورود، أرمق مواضع ذكريات نزار، ذلك الشاعر الذي استعصى على المنع أو النسيان.
  http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_articles.php

No comments:

Post a Comment