Monday, May 23, 2016

غاودي وعائلته المقدّسة


 
في جولتنا في "برشلونة" قصدنا كنيسة العائلة المقدّسة (La sagrada Família)، التي تُصنّف كأحد روائع أسبانيا الإثني عشر، ومن روائع العالم، برغم أنها لم تكتمل بعد، بل ويرى المشرفون عليها أن ذلك لن يحدث قبل عام 2026م، أي بعد قرن من وفاة مصمّمها المعماري "أنطونيو غاودي" الذي صنّفت اليونسكو عشرة من أعماله المعمارية ضمن التراث الإنساني العالمي.
شُرع ببنائها في حياة "غاودي"عام 1882م، وكرّس نحو خمسة عشر عاماً في بنائها حتى وفاته، وأخذت اسمها من حي "ساغرادا فاميليا" الذي أقيمت فيه.
وعندما كان المعماري العظيم الذي ترك أثراً يمكننا أن نتبيّنه على هيئة صليب من الفضاء يُسأل عن سبب البطء في أعمال البناء، كان يردّد أنه "ليس على عجلة من أمره".
وها قد مرّت تسعة عقود على أول حجر من أحجار العائلة المقدسة ولم تكتمل بعد.
تُعد الكنيسة مركز جاذبية كبير للسياح حيث يمكنهم التجوّل في الأماكن التي اكتمل العمل عليها، فيزورها ما يربو على المليون شخص كل عام، ويشكّل المال الذي يتقاضونه من مبيعات التذاكر أحد أهم مصادر تمويل بنائها، حيث أن الكنيسة لا تعتمد في أعمال البناء على أي مصدر حكوميّ أو رسمي.
أمّا الكنيسة فظاهرها يختلف عن باطنها، فلقد أراد "غاودي" أن يجعلها من الخارج تزخر بالوحدات التزيينية من تماثيل أعتمد فيها الطابع التكعيبي لشيوعه في تلك الفترة، ولكنه أقرب إلى روح "غاودي" من رموز التكعيبية التي لم تتكرّس كمدرسة أو تيار معماري خارج عملية الفن التشكيلي.
كذلك أعتمد على تأثيرات باروكية، وقوطية، وآسيوية تأثر فيها في مرحلة من دراساته وبحوثه ونرى ظلالاً لها في عمله، كما نجده ينبذ الخطوط المستقيمة ويحفل بالخطوط المنحية، وتشكّل الطبيعة مصدراً لوحداته الهندسية والزخرفية كالأشجار والطيور والأسماك.
أما من الداخل فباطنها أكثر زهداً وتقشّفاً، ويبتعد فيه عن التزيين وكأنه أراد لمن يدخلها أن يكون بمواجهة الحالة الوجدانية، أما في الخارج فسيكون الزائر بمواجهة تامة مع الحالة الجمالية.
حاول "غاودي" في تصميمه أن يوظّف الضوء والفراغ، ويعيد اكتشاف الدهشة في كل تفصيل من الكنيسة، فمثلاً، شعرت أن وظيفة السلالم ليست في الصعود أو الهبوط بقدر ما جعلها توحي بأنها قادرة على منح تأويلات جديدة خارج مجال عملها الأصلي، فلقد بدت لي السلالم وكأنها شرائط تنزل من شعور الفتيات. وعندما قمت بتصوير الكنيسة من غير قصد بعدسة (عين السمكة) بدت في الصور وكأنها حُوتٌ عملاق وقد ابتلع الناس.

No comments:

Post a Comment