Friday, May 6, 2016

حفيدة أوريكا


لصباحين على التوالي، جلست قبالتي صبية جرمانية، مليحة، مع جدّتها، قلت في نفسي: الآن علمت كيف كان "كانوفا" يصبّ تماثيله، كانت كمصباح راهب متبتل،
حاولت أن أحزر عمرها
فشعرت ببعض التيه، ولم أتيقّن إن كانت ابنة 13 سنة أم 23، فليس سوى الحدس من يحسم أمراً كهذا، بيد أنني تذكرت حكاية صديقٍ لي، عندما كنا ندرس في "لوس أنجلوس" فلقد أقلّ طالبة بسيارته إلى بيتها من باب الشهامة، وصادف أن رأته أُمها وهو ينزلها بباب الدار، فأبلغت الشرطة على الفور، بأنّ رجلاً كث اللحية خطف ابنتها القاصر بسيارته.
فما كان منهم إلا أن قبضوا عليه، وشرعوا يحققون معه كما لو كان من عتاة المجرمين،
ثم أدخلوه اختبارات عدة، واحداً تلو الآخر، حتى شعر أنّالأمر برمّته لا نهاية له، فأضمر أن يفعل شيئا من أجل نفسه
وما أن عرضوا عليه فتيات من أعمار مختلفة، حتى حدس أنّ بوسعه القبض على نجاته بيد من حديد، طلبوا منه تخمين أعمارهن
ولم يكن أمامه لينجو من هذا الفخّ إلا أن يستدرك بحنكته وحدسه فبدأ بتضليلهم بمعلوماته عن أعمارهن، فإذا عرضت عليه فتاة بعمر العشرين ضاعف عمرها، وإذا عرضت عليه امرأة بحبل من الأحفاد قال إنها لم تبلغ العشرين بعد، وإذا عرضوا عليه فتاة في الثالثة عشر، قال أنها في الثلاثين، وربما لو وجد الأمر ممكنا لسألهم أين تخفي أولادها.
عند ذاك، رأوا أن يطلقوا الرجل ذي اللحية على أن لا يخرج قبل أن يوقّع التماساً، وتعهّداً، أن لا يقل القاصرات ولا الأمهات لأن الأمر سيّان عنده.
أمعنت النظر في ملامح الفتاة الألمانية،
وتذكرت جوته، وقلت لا شكّ أن "أوريكا" التي هام بها العجوز جوته والذي كان قد بلغ الثانية والسبعين من عمره، عندما عرض عليها الزواج به فرفضت، والذي راح يتوّسط عند الأمير ليثنيها عن القرار كانت هي الجدة التي تحدّرت منها هذه الحسناء،
حدّقتُ ثانية في وجه جدتها الذي ضرّسته السنوات، ووجه الفتاة الذي يضجّ بالحياة والفتنة، كان وجه الصبية يشرق بالحسن، بينما كان الحسن يغرب في الجدة
، كان في الأولى بشير ميلاد وفي الثانية نذير موت، زهرة تتفتّح وأخرى تذوي،
فقلت في نفسي، هل يكون مآل هذا الربيع إلى ذاك الخريف،
لعلّها مفارقة ستجعل العجوز جوته يغيّر رأيه بالتأكيد.

No comments:

Post a Comment