الزمن على الجهة الأخرى
كنا نستقل اليخت مع الأخ الوزير / بو غازي، بدأ من القناة المائية التي
تربط منطقة المصفح بالرأس الأخضر، حيث يتراءى قبالتنا فندق
"الإنتركونتننتال" والديوان الأميري.
لم تعد هذه القناة متاحة للبواخر والمراكب التي كانت تمخرها مسببة جلبة وإزعاجا للسكان.
أصبح اللسان المائي الذي يقود إلى المصفح خلف هذه القناة.
أصبح اللسان المائي الذي يقود إلى المصفح خلف هذه القناة.
قلت للأخ بو غازي: قبل سنين خلت، وقبل أن نقطن هذا البيت ويصبح مأهولاً،
كنت في رحلة صيد مع صديق فتعطّل بنا القارب وكان الوقت موشكا على الغروب،
وكادت الأسباب أن تتقطّع بنا لولا أننا لمحنا قارباً يقلّ ركاباً، ثم صار
على مقربة منا، وكنا نلوّح بأيدينا، بل نستثمر كل تلويحة في رجاء أن يبصرنا
أحدهم، وعندما لم نجد استجابة ظننا أنهم لا يسمعونا بسبب الريح التي كانت
تهبّ في ذلك اليوم فتقطّع أوصال صيحاتنا قبل أن تصل.
فقال صديقي، وكان اليأسُ قد بدأ يدبّ فيه: سأقصد المركب سباحة وامْكُث
أنت في قاربنا حتى لا تجذبه التيارات بعيداً، فترددت وقلت: بل سنمضي معاً.
إلا أنّه أقنعني بضرورة البقاء في القارب، فمكثت على مضض.
إلا أنّه أقنعني بضرورة البقاء في القارب، فمكثت على مضض.
سبح صاحبي إلى القارب الآخر وعندما صار قريباً منه، أخذ القارب يبتعد بطريقة لم يكن بوسعنا فهمها، وتركنا خلفه للمجهول.
صاح صديقي بأعلى صوته دون جدوى، وكان صوت المحرّك -والذي أخذ يهدر في
ابتعاده - متحالفاً مع صوت الريح يجعلان كل شيء وكأنّه أعدّ من أجل أن نشعر
أننا لن نعثر على شيء آخر سوى #اليأس.
التفت صديقي في تلك البرهة صوبي وقال: سأخوّض سباحة إلى الشاطئ الآخر وأعود بالمساعدة.
جنح بي القارب على الساحل المقابل بعد غياب الشمس -وكان القمر بدراً في تلك الليلة- أمّا الجزيرة فلقد رانت عليها هدأة الليل.
كان الوقت يمرُّ بطيئا، والساعة لا تكاد تنقّل عقاربها، فحدست أنها توقفت، وتوقف معها #الزمن.
تجولت على غير هدى بضع دقائق ذات اليمين وذات الشمال، دون أن تنزلق عقارب
الساعة، فقلت سأشغل نفسي بالصيد حتى مجيء صاحبي بالمساعدة.
وكان صيداً وفيراً، فلقد اصطدت ما يزيد على العشرين سمكة بين بدح وقابط.
ولكن حتى هذه التسلية لم تنجح في تغيير إيقاع الزمن الذي جثم بكلّ ثقله
على هذا الجانب، وتساءلت عن الأسباب التي تجعل الزمن في الجزيرة المقابلة
يمضي سريعاً ولا ينتظر أحدا.
كان أكثر ما يقلقني أن الوالدة -رحمها الله- كانت ذلك الحين في المستشفى وخشيت أن تفتقدني، فلم تكن هناك من وسيلة اتصال.
قبل منتصف الليل، وكنت قد سلّمت أمري إلى الله، بدأت تصلني حزمة من الضوء.
كان صديقي في قارب أخذ يقترب، يحمل كشّافاً ضوئياً وأخذ يسلّطه على الجزيرة حتى اهتدى إلى موضع قاربي الجانح.
كان صديقي في قارب أخذ يقترب، يحمل كشّافاً ضوئياً وأخذ يسلّطه على الجزيرة حتى اهتدى إلى موضع قاربي الجانح.
عندما عدنا إلى المنزل الذي لم يكن مأهولاً بعد، قال لي أنه كاد أن يلقى
حتفه بالقرب من منطقة القرم، فالوحل والطمي فيها أوشك على ابتلاعه.
حمدنا الله على سلامة العودة، ونحن نستعيد تلك اللحظات التي جعلتنا نواجه مصيراً غامضاً.
حتى اليوم، -وبعد مرور قرابة الأربعين عاما على تلك الحادثة -فالصورة التي لا تبرح مخيّلتي هي تلك #البرهة التي تحرّك فيها القارب مبتعداً وتاركاً إيّانا للمجهول.
http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_article_indetail.php?articleid=125
No comments:
Post a Comment