Sunday, June 19, 2016

كارتونا ويواقيتها


 


 
أردنا اختبار المائدة الإيطالية في أكثر فاكهتها ترفاً، فكان علينا أن نشير إليها، فأشرنا إلى فراولة كرتونا، فموسمها لا يمكث أكثر من أسبوعين (من منتصف مايو حتى نهايته)، وما أن يُشرع بقطفها حتى لا يعود مناصٌ من تناولها في مدة 48 ساعة، كما أنها لا تسافر خارج "كارتونا"، لأن في ترفها البالغ ما يجعلها لا تحتمل السفر حتى ولو إلى مدينة قريبة كـ "ميلانو" التي تقع على مرمى ساعة منها؛ فلو تعرّضت لضربة شمس لنفقت من ساعتها.
والغالب على أهل "كارتونا" أنهم يضنّون بها على غيرهم، فتجدهم يتلقّفونها تلقّف الماء في الهجير، ولا يكفون عن جعلها تلازم موائدهم حتى يطمئنوا إلى أن آخر شجيرة فراولة نفضت آخر ثمرة من ثمارها الياقوتية في "كارتونا".
ولهم طريقة في تناولها، حيث تُقدّم باردة بعد الوجبات ويُرشّ عليها نثار السكر وعصير الليمون.
قررنا أن نصطحبها كالسرّ المكتوم في (صناديق مبرّدة) تُحمل باليد لتصونها عن الحرّ والضوء.
أعددنا رسولين ليحملا سرّ "كارتونا"، فحصرا مزارعها الخمس الصغيرة، واتفقا على ابتياع المنتوج مما تسمح بها الطائرة في يومين متعاقبين.
وبعد أن تمكنا من ابتياعه وحفظه في الصندوقين حيث أن اشترى أول الرسولين ما قُطِف منها نهاراً، وعاد إلى "ميلانو" مستقلاً رحلة ليلية إلى أبو ظبي، على أن يبلغها قبل اشتداد حرارة شمسها اللافحة.
وكانت الفكرة أن في حال حدوث خلل مّا مع المسافر الأول، فسنتوفّر على الوقت لنتمكن من استدراكه بالمسافر الثاني.
كنت أحدّث صاحبي بذلك وأقول له: لقد أدرنا المهمة كما تُدار من غرفة تحكّم مهمة إطلاق صاروخين لينقلا قمراً صناعياً إلى مداره.
اختبرنا المهمة، وأوصلنا سرّ كارتونا إلى نفرٍ من الأصدقاء، ولقد أثنوا عليها ثناءً بالغا.
كانت الفكرة هي في الكشف عن جانب في الغاية من الأهمية من جوانب فلسفة ‫#‏المائدة_الإيطالية‬، التي تعتمد وبشكل صارم على تحديد مكان المنتوج، وهذا يقود إلى ما يُعرف بالأكل المتريّث، الذي هو نقيض الوجبات السريعة.
فهم يعرفون مصدر كل منتوج، -فعلى سبيل المثال- تجدهم يبتاعون اللحم وهم يدركون تماماً مكان رعي الأبقار أوالأغنام ونوعية الحشائش وأوقات الرعي.
وذات الأمر ينطبق على الخضار، والفواكه، والأسماك، وزيت الزيتون، والحليب، ومشتقاته وسائر المنتوجات.
في نهاية الأمر، كان نجاحنا مضاعفاً بعد أن وصل المسافر الثاني إلى أبو ظبي، وهو يحمل صندوقه وفي داخله يكمن سرّ كارتونا، كالصدف الذي يحمل اللؤلؤ في أحشائه..
وبذلك تمكنا من وضع (قمرين ياقوتيين) في المدار.
 
http://italy.electronicvillage.org
 

No comments:

Post a Comment