Saturday, June 25, 2016

خريطة طالع المتنبي



 
حتى نرسم خريطة الطالع لإنسان ما، يجب أن نتوفّر على أمور خمسة لا يتمّ العمل إلا بتمامها، ويمكن لنا أن نجملها بسنة الولادة، والشهر، واليوم، والساعة، والمكان.
فقلت في نفسي - وأنا أترّدد على نحوٍ يوميٍ على أبي الطيب المتنبي وشِعره وما حفلت به حياته من أحداث وهو أحبّ الناس إلى نفسي وأقربهم إليّ-: "لأرسم خارطة الرجل، وأنفض عنه ما تراكم عليه من سوء فهم ولبْسٍ كما انتفض هو فزال القبر والكفن".
وشرعت من ساعتي أجمع ما يعين على معرفة طالع الرجل...
نحن نعرف أنه وُلد في عام 915 م وهو العام الذي يوافق سنة 303 للهجرة.
ولكننا لم نتوصّل على وجه الدقّة بشهر ولادته أو اليوم والساعة، ومن جهة أخرى، أجد أن الرجل الذي تحدّر من أحد البيوتات العلوية الكوفية المرموقة كان يعرف بلا ريب ما أفتقدُ إليه من معلوماتٍ، ولأن شعره يمكن اعتباره مدوّنة شخصية أو سيرة باطنية للرجل، فأجد أنه ترك لنا مفاتيح هنا وهناك تشي بما نحتاج إليه إذا ألممنا بجانبٍ واسعٍ من حياته وشعره.
وبوسعي الآن أن أتحدّث على وجه التأكيد أنّ ولادته كانت في أواخر شهر تموز أو في آب من تلك السنة، وبذلك يكون من مواليد برج الأسد ..
واذا سألت لماذا الأسد؟ فإليك السبب، قال أبو الطيّب:
لا تجسر الفصحاء تنشد هاهنا *** بيتاً ولكني الهزبر القائل
والهزبر هو اسم من أسماء الأسد.
وقوله:
فَارْمِ بي ما أرَدْتَ مني فإنّي *** أسَدُ القَلْبِ آدَميُّ الرُّوَاءِ
جمعت ما بيدي من أدوات وبدأت برسم خريطةِ طالعِهِ من خلال ما ترك فينا من سيرةٍ.
وعرفتُ من نفوره من المرأة أنّ الرجل وُلد عندما كانت الزهرة في تقاطع نحس مع القمر
فالقمر دالٌّ على العاطفة، وأما الزهرة فدالّة على الحب
ومن كان تقاطع قمره مع زهرته تقاطع نحس، فلن يجد الوسيلة للتعبير عمّا يجيش بصدره من حبّ، وسيصعب عليه التعاطي مع المرأة
كما وجدتُ في خريطتهِ تقاطعَ نحسٍ آخر بين الزهرة وبلوتو
وهذا ضربٌ من التقاطع يعمل على جعل الكائن متكتّما في علاقته بالمرأة، بل وسيجتهد في دفنها ودفن كل ما يربطه بالجنس الآخر.
وهذا الأمر معكوسٌ في شعره بشكل واسع، ويمكننا أن نتبيّنه في نصوص عديدة كما في قوله:
وَللخَوْدِ منّي ساعَةٌ ثمّ بَيْنَنَا *** فَلاةٌ إلى غَيرِ اللّقَاءِ تُجَابُ
أو قوله:
إذا كانَ مَدحٌ فالنّسيبُ المُقَدَّمُ *** أكُلُّ فَصِيحٍ قالَ شِعراً مُتَيَّمُ
أي لماذا نقدّم النسيب أي الغزل في الشعر إذا لم أكن متّيماً وعاشقا.ً.
وعلى النقيض من هذا نجد أنّ الشاعر عكف وبشكل لافت على الاحتفاء بالجسد الذكوري، وهو ما سنتلمّسه في شعره الذي تناول فيه بدر بن عمار في قوله:
أَسَدٌ يَرى عُضوَيهِ فيكَ كِلَيهِما مَتناً أَزَلَّ وَساعِداً مَفتولا
أو قوله في وجه سيف الدولة:
فَلا زالَتِ الشَمسُ الَّتي في سَمائِهِ **مُطالِعَةَ الشَمسِ الَّتي في لِثامِه
وَلا زالَ تَجتازُ البُدورُ بِوَجهِهِ ** تَعَجَّبُ مِن نُقصانِها وَتَمامِهِ
وتناوله بافتتان كبير وجه دلير بن لشكروز بقوله وقد جاء الكوفة ليردّ عنها القرامطة:
عفيفٌ تَروقُ الشمسَ صُورَةُ وَجهِه ** فَلَوْ نَزَلَتْ شَوْقاً لحَادَ إلى الظّلِّ
وبمقدورنا العثور على نصوص تناول فيها صورة عضد الدولة، كما في قوله:
وَدارَتِ النّيّرَاتُ في فَلَكٍ ** تَسْجُدُ أقْمَارُهَا لأبْهَاهَا
ولمّا توفيّت "خولة" أخت سيف الدولة في "ميّافارقين" سنة 350 هجريّة، كان فتى الفتيان (سيف الدولة) شغله الشاغل:
أرَى العرَاقَ طوِيلَ اللّيْلِ مُذ نُعِيَتْ ** فكَيفَ لَيلُ فتى الفِتيانِ في حَلَبِ
وهذا ديدن رجل الأسد، عندما يتقاطع قمره مع الزهرة أو بلوتو، فإن المرأة تعبر حياته في عجالة ولا تكاد تترك خلفها ما يدلّ عليها كمعشوقة وحبيبة، وإذا ما فعل ذلك، فلن يكون شعره موجّها لامرأة وجد فيها ما يجد العاشق في حبيبته، بل كانت غرضا شعريا من أغراض القصيدة، تدخل وتخرج دون جلبة بعد أن تترك مكانها ليشغله بدر بن عمار، وسيف الدولة، ودلّير، وسواهما من ذكور قصائده.

No comments:

Post a Comment