Sunday, July 17, 2016

الخَرِيطة التي عَكّرتْ صَفو تُركِيا




«الخَرِيطة التي عَكّرتْ صَفو تُركِيا»
ندعوكم للتعرف على خريطة النظام الدولي القديم – الجديد، ووثيقة للقوانين السياسية التي حكمت المنطقة الممتدة بين بيروت وبرلين، بدءاً بالمشرق العربي الممزق، ومروراً بتركيا القلقة والبلقان المتفجر، ووصولاً إلى الدولة الألمانية العظمى. قبل نصف قرن، والتعرف على ذلك المرجع القَيِّم للتفكير السياسي الذي طبع ما يُسمى "الرعيل العربي الأول"... من رحلة "بَيروتْ – بِرلينْ – بَيروتْ" لــ "كَامل مُرُّوَه" وهي جزء من مشروعنا ‫#‏أدب_الرحلة‬

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

23 حزيران/ يونيو 1941م
« في السياسة الخارجية التركية مبدأ ثابت لم يتبدل منذ قرون، ولا يزال حتى اليوم ركنها الأساسي.
هذا المبدأ يَعتبرُ المطامع الروسية في المضايق الخطر الأكبر على ‫#‏تركيا‬. لذلك حيث تكون ‫#‏روسيا‬، تكون تركيا في المعسكر الآخر.
وفي اليوم التالي لإعلان الحرب، أي في يوم 23 حزيران/ يونيو 1941م، استدعى وزير الخارجية التركية السيد "سراج أوغلو" الصحافيين الأجانب ليتلو عليهم تصريحاً عن موقف بلاده.
وقد ذهبت معهم إلى ذلك الاجتماع بدافع الفضول، فإذا بالوزير يحدثنا عن الحرب والمتحاربين بلهجة جديدة، دَلَّت على أنَّ السياسة الخارجية التركية لبست في أقل من أربع وعشرين ساعة حُلَّة جديدة تناسب المقام.
ولكي يفهم القارئ نوع هذه الحُلَّة، يجب عليّ أن أعود به قليلاً –على ضوء ما سمعته في ‫#‏أنقرة‬– إلى الأشهر القليلة التي سبقت إعلان الحرب. ففي ذلك الحين كانت تركيا تتبع سياسة الحياد التام تجاه الجميع.
وأرادت حكومة أنقرة الوصول إلى اتفاق حاسم مع السوفييت، فأوفدت "سراج أوغلو" إلى موسكو ليصارحهم بحقيقة الأمر، فلم يُحْظَ الوزير بنتيجة، وعاد إلى #أنقرة صفر اليدين.
وكانت #روسيا حتى ذلك الحين معزولة عن السياسة الأوروبية بسبب اتفاقية ‫#‏ميونيخ‬، فلم ير الأتراك ثمة مبرراً للانضمام إلى الجهة الإنكليزية –الفرنسية، أو إلى الجبهة المحورية؛ ما دام الروس بعيدين عن الجبهتين.
ولما راح الحلفاء يخطبون وُدَّ ‫#‏موسكو‬ في صيف 1939م، اضطربت تركيا وأخذت تميل نحو ألمانيا.
ولكن ما كاد الألمان يعقدون الميثاق المعلوم مع روسيا في 22 آب/ أغسطس 1939م وتقع الحرب على إثره ثم تهاجم روسيا فنلندا وتكاد تشتبك مع الحلفاء، حتى بادر الأتراك إلى عقد ميثاق التحالف مع إنكلترا وفرنسا، إذ استقرَّت عندهم القناعة أن روسيا انضمت إلى الجبهة المحورية وأن الحلفاء أصبحوا خصومها.
وفجأة دار الفلك دورته واشتبكت ألمانيا بالحرب مع روسيا، وأصبحت روسيا حليفة إنكلترا، فوجدت تركيا نفسها بين عشية وضحاها حليفة الروس من حيث لا تدري ولا تريد.
وفي ذلك اليوم، 22 حزيران/ يونيو 1941م فَكَّر الأتراك طويلاً في حاضرهم ومستقبلهم، فانتهوا إلى ‫#‏النتائج‬ التالية:
أولاً: لن تقلع روسيا عن المطالبة بالمضايق، فلا سبيل إذن لتبديل مبادئ السياسة التركية التقليدية تجاهها.
ثانياً: قد تنتهي هذه الحرب بفوز الحلفاء على ألمانيا. وعندئذ تستطيع تركيا الاعتماد على إنكلترا لحماية نفسها من التوسع الروسي. وفي التحالف القائم مع بريطانيا ما يضمن ذلك.
ثالثاً: قد تنتهي الحرب بهزيمة الحلفاء وحلول ألمانيا محل روسيا في الشرق، ولكن ليس بين تركيا وألمانيا من العقود ما يطمئن تركيا على مصيرها إذا تَحَقَّق ذلك.
إذن، ينبغي إكمال هذه الحلقة الناقصة بعقد اتفاق مع الألمان، شبيه بذلك الذي عقدوه مع الإنكليز. هذا ما قررته حكومة أنقرة في نفس اليوم الذي بدأت فيه الحرب الروسية –الألمانية، وهذا ما حققته بعد شهرين، عندما عقدت ميثاق عدم الاعتداء مع البارون فون بابن، فضمنت لنفسها العون من الإنكليز والألمان ضد الروس، في مختلف الاحتمالات والحالات.
*ويتساءل الكثيرون: وكيف استطاعت تركيا أن تبقى على الحياد حتى نهاية الحرب؟
يعود الفضل في ذلك إلى رغبة الإنكليز والألمان أنفسهم. فقد اتفقت مصلحة الطرفين المتحاربين على بقاء تركيا على الحياد، إذ أن زجها في الحرب يومئذ مع هذا الطرف أو ذاك كان يفتح أبواب تركيا أمام الروس ليدخلوها كحليفة للإنكليز أو كعدوة للألمان.
وقد فضل الإنكليز والألمان معاً بقاء تركيا على الحياد على دخول الروس إليها، وكانت النتيجة أن بقيت تركيا بمعزل عن الحرب، ولم تعلن الحرب على ألمانيا إلا بعد أن أصبح الروس –وليس الألمان– على الحدود البلغارية في أوائل السنة 1945م.
مَرَّ الأسبوع الأول من الحرب الألمانية –الروسية دون أن يزعج أحد الطرفين الأتراك، فاطمأن بالهم موقتاً، وجلسوا يرقبون النتيجة.
ولم يعكر صفر هذا الأسبوع سوى خريطة نشرتها مجلة تركية طالبت فيها بتجميع الأراضي التركمانية التي يحتلها الروس، من القوقاس حتى بخارى وطشقند لإنشاء دولة طورانية بزعامة تركيا. فاحتج الروس عليها، ولا يزالون إلى يومنا يسجلون على الأتراك ذلك الطلب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*من العجيب أن صحيفة "الحياة" في نوفمبر 1989م كانت أنهت لتوها إعادة نشر «رحلة "بيروت – برلين – بيروت" لكامل مروة»، ولكن من كان يدري يومذاك أن الذكرى ستتحول إلى ثورة، فينهار جدار برلين، وتعود ألمانيا واحدة، وتعود معها أوروبا إلى النظام السياسي –الجغرافي الذي كان يسودها في السابق.
*ومن المفارقات أن ننشر على صفحتنا هنا (قبل 72 ساعة من أحداث تركيا الأخيرة) نصاً من رحلة كامل مروة بتاريخ 12 يوليو الجاري، يتحدث عن الزلزال السياسي الذي حل بتركيا ودور روسيا وفرنسا وتأثير ذلك على المنطقة. يمكنكم استدراكه عبر الرابط التالي:
https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/posts/702090453293732:0
 

No comments:

Post a Comment