Thursday, August 11, 2016

حائرٌ في لندن!


لا يترك الوالد -حفظه الله- فرصةً إلا واثنى فيها على مهارات «جوجل» google ، الذي أصبح يقيس المسافات بين نقطة ونقطة باتقانٍ بالغ، ويحددُ إذا ما كان الطريقُ مزدحماً أم سالكاً، وكم يستغرق الوقت بين نقطتين.
ففي الأمس، كنتُ على موعد مع صاحبي في «ثيمز وارف» في «رينفل» ، فاستقليت سيارة الأجرة (التاكسي)، وكان السائق رجلاً سِتينياً، أخبرته بالعنوان، فحارَ وَحكّ رأّسهُ وقلّب ذاكرته، ثم قال: "لا أتذكر أنني سمعت بهذا المكان من قبل"!.
بدا الأمر غريباً؛ فمعروف أن جميع السائقين في لندن يحتاجون إلى معرفة 320 طريقة تساعدهم في حفظ 25.000 شارع و20.000 من المعالم والأماكن الأساسية بما فيها الفنادق والمطاعم داخل مساحة دائرية نصف قطرها يصل إلى ستة أميال من منطقة «شارنغ كروس» في وسط لندن. كما ينخرطون في دراسة تستغرق من عامين إلى أربعة أعوام، وقد تتضاعف المدة دونَ أنْ يتمكن المتقدّم من الظفر بــ «إجازة» تاكسي (الخنفساء العريقة) التي تُعد أحد أشهر معالم بريطانيا، مثل قطار الأنفاق أو «كابينة التلفون» الحمراء، و«الباص» ذو الدورين، وصندوق البريد.
فلقد ظهرت أول سيارة أجرة في عهد الملكة «إليزابيث» الأولى، وكان يطلق عليها (هاكني) وتجرها الخيل، ولا يستقلّها آنذاك إلا من كان ذو حظ عظيم.
ثم ظهر نوعٌ آخر في عام 1897 يعملُ بالطاقة الكهربائية، وكانت له جلبة كبيرة؛ فلم يستمر في عمله سوى ثلاثة أعوام قبل أن يظهر أول «تاكسي» يعمل بالبنزين في لندن وكان ذلك في عام 1903.
وكانت الشروط من القسوة ما جعل قيادة التاكسي في لندن أمراً مرجعيا في العالم، فكيف إذن تمكن صاحبنا (السائق الحائر) من الظفر بإجازته؟
وبعد أن تيقّنت منه أنه لن يبلغ بي وجهتي قررت اللجوء إلى (جوجل)، وسألته الطريق إلى «ثيمز وارف» في «رينفل»، وبلمسة من عصا «جوجل» تمكنت من تحديد المكان وساعة الوصول؛ فكانت هذه أول مرة أستعين فيها بالخرائط لمساعدة سائق عريق، لأهديه إلى عنوان في مدينة «لندن» الضاربة في القدم.
أما الآن - وبفضل هذه الخرائط- أصبحت سُبل لندن سالكة ومتيسرة، وصار الوصول إلى أي مكان أهدى من اليد للفم كما قال «زهير بن أبي سلمى»:
بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحْرَنَ بِسُحْـرَةٍ ** فَهُـنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَـمِ.
‫#‏محمد_أحمد_السويدي‬
‫#‏لندن‬
 

No comments:

Post a Comment