Saturday, August 20, 2016

أميمة قاسم

 

ندعوكم لمشاركتنا قراءة هذا النص المميز من كتاب ‫#‏رحلات_العقل‬ لــ «ليوناردو دافنشي»، وهو من اختيارات الشاعر الإماراتي : محمد أحمد السويدي، وترجمة: "أميمة قاسم".
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«سُبُل النجاة»
كانت ميلانو في عام 1485 تحت رحمة طاعون دَبْلِيّ لثلاث سنوات. فقد عرف ليوناردو ماهو الطاعون في فلورنسا: حيث انتشر هناك في عام 1479، ولكنّه لم يدم لأكثر من بضعة أسابيع. وكان هذا الطاعون أسوأ بكثير.
ووفقاً لبعض التقديرات التي ربما شابتها المبالغة، فقد أودى بحياة ما يقارب ثلث سكان الحضر.
ولا تخفى صوره علينا: الأحياء المنكوبة، والهواء الملوّث، والجثث التي تُنقل إلى المقابر الجماعية. الخطب الهيستيرية من المنابر، والفحص الشخصي المقيت بحثاً عن التضخم في الغدد أو "الدمامل" التي هي نواقل للعدوى.
وفي 16 مارس 1485 كان هنالك كسوف كامل للشمس قوبل بالتشاؤم. وقد شاهده ليوناردو من خلال فرخ كبير من الورق المثقب، كما هو موصى به في مذكرة وجيزة بعنوان: "كيف تراقب الشمس أثناء الكسوف دون إضرار بالعينين".
وقد كان ليوناردو أثناء فترة الطاعون كلها يعمل على لوحة عذراء الصخور: ليس ثمة ما يدعو لافتراض أنّه ذهب إلى أي مكان آخر في ميلانو، عدا مرسم آل دي بريديس قرب بوابة تيسينيز.
ونحن نعرف تماماً نزق ليوناردو: وهو رجلٌ مضمخة بأريج ماء الورد أصابعه. تؤذيه الروائح النتنة، مثلما تفعل الحشود المتراصة والعدوى التي يحملونها بحسب تعبيره. " يرعى هذا الحشد من الناس معاً مثل الماعز واحدة خلف الأخرى، يعبئون الأركان عفونةً وينشرون الطاعون والموت".
فاللوحة مكان مسحور ممنوع على كل هذه الأشياء: مغارة حجرية رائعة تبعد أميالاً عن كل شيء، تردد أدعية الفلوات.
وحوالي هذا الوقت كتب وصفة دواء- ربما كان هذا عقاراً سرياً مضاداً للطاعون:
خذ بذور الزؤان الطبي
وروح النبيذ في قطعة من القطن
وقليلاً من السيكران الأبيض
وقليلاً من عشبة مشط الراعي
وبذور وجذور نبتة خانق الذئب
وجففها جميعا، ثم اخلط هذا المزيج مع الكافور لتحصل على الدواء.
وقد خرجت أولى أفكار ليوناردو الناضجة حول "المدينة المثالية" -شكلاً وتطبيقاً- من مرجل الطاعون هذا، ومنه اكتسبت إلحاحها وضروريتها.
وكان هذا حديث الساعة في عصر النهضة. وقد كان لالبرتي وفيلاريتي حوله جدال ومناقشات، وسبقهما في ذلك المعماري الروماني العظيم فيتروفيوس، وليس من الصعب تخيل ليوناردو وهو يحاور صديقه المتعلم دوناتو برامانتي حول الأمر.
وتبين رسوماته وملاحظاته المؤرخة في 1487 مدينة مستقبلية بهيجة ومخططة بميادينها وممراتها وأنفاقها وقنواتها ("مستقبلية" بتلك الفكرة العجيبة للطريق المسدود: والمستقبل كما تم تصوره في الماضي)، لتقام المدينة على مستويين- المستوى العلوي للسابلة والمجتمع والعناصر الجمالية، بشكل مقارب جداً" لمناطق المشاة" في المدن الحديثة.
بينما المستوى السفلي يُخصص بشكل رئيسي لشبكة من القنوات التي تستخدم لحركة البضائع والحيوانات لأغراض التجارة، وللمخازن، ولمساكن من يدعوهم "عامة" الناس.
الشوارع واسعة، وارتفاع واجهات المباني منتظم، وتطول المداخن لنفث الدخان عالياً بعيداً عن الأسقف. وهو يوصي باستخدام أنواع الدرج الحلزوني في المباني العامة، وذلك نسبةً لأنّ للدرج المربع زوايا معتمة يحولها الناس إلى مِبْولات.
وقد كان يُفكر في نظام صرف صحيِّ متطور لمجابهة الطاعون بلا شك. كما كانت لديه بعض الأفكار حول دورات المياه النموذجية أيضاً- ليس بالضبط المراحيض الدافقة للماء، كما اخترعها جون هارينغتون بعد ذلك بقرن، ولكنها ممتازة في تصميمها: " ينبغي أن يكون مقعد المرحاض قابل للانعطاف مثل الباب الدوار في الأديرة، والعودة إلى موقعه الأول باستخدام ثقل موازن.
ويجب أن يكون السقف ذا فتحات فيه حتى يستطيع المرء التنفس".

No comments:

Post a Comment