Friday, May 12, 2017

الثُّريَّا



http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_publications_indetail.php?articleid=613

ندعوكم للتعرف معنا على منزلة « الشَّرَطان» من مشروعنا #منازل_القمر للشاعر والمفكر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، ونعرض هنا تباعاً الثماني وعشرون منزلة التي ينزلها القمر كل عام، قوامها ثلاثة عشر يوماً لكل منزلة، عدا جبهة الأسد أربعة عشر يوماً، ما يجعل السنة 365 يوماً تمثل التقويم الشمسي للعرب
"الشَّرَطان"، هو المنزلة الأولى من منازل نوء "الثُّريَّا"، وسادس منازل فصل "الرَّبيع"، وأولى المنازل الشَّاميَّة الأربع عشرة، وطالعه في 12 أيَّار (مايو) من السَّنَة. و"الشَّرَطان" عند العرب كوكبان أحدهما في ناحية الشَّمال، والآخر في ناحية الجنوب، وهما قرنا الحمل، وإلى جنوب الشَّرَطين كوكب يُعدُّ معهما أحيانًا، فيقال الأشراط، قال الكُميت:
هاجتْ عليه من الأشْراطِ نافِجةٌ في فَلْتَةٍ بين إِظْلامٍ وإسفارِ
والنافجة هي الريح الشديدة، والفلتة أي البغتة.
والشَّرَطان تثنية شَرَط، والشَّرَطُ والشَّرَطة هما العلامةُ، وأَشْراط السَّاعة علاماتُها. ومنه سمِّي "الشُّرَطُ" لأنَّهم جعلوا لأنفسهم علامةً يُعرفون بها، وكان ذلك أوَّل الأمر على أيَّام الحجَّاج بن يوسف الثَّقفي.
تُظهِرُ العلوم الفلكية الحديثة أنَّ "الشَّرَطين" (Sharatan) نجم ثنائي أبيض، وهو ثاني ألمع نجم في برج الحمل و"قدره الظَّاهري" 2.66، و"زمرته الطَّيفيَّة" A5 V، أمَّا "قدره المطلق" فهو 1.7+، أي يفوق تألُّقه الشَّمس بـ 17 ضعفًا. ويبعد 59,9 سنة ضوئيَّة عن الأرض. يدور النَّجمان كلٌّ حول الآخر بمسافة لا يمكن فصلها بالتليسكوب التقليدي. ولكن يمكن فصلها باستخدام مقياس التداخل النَّجمي (مارك الثالث) بمرصد جبل ويلسون. ويكمل النَّجمان أعلى مدار بيضاوي كل 107 يوم.
أمَّا (نجم) "الحمل" (Hamal) الذي سُمِّيت باسمه كلُّ الكوكبة، وهو ألمع نجومها، فهو عملاق أصفر، قدره الظَّاهري 2.0، وزمرته الطَّيفيَّة K2 lll، وقدره المطلق 0.2+، أي يفوق تألُّقه الشَّمس بـ 67 ضعفًا، ويبلغ قطره 15 ضعف قطرها، ويبعد 65.8 سنة ضوئيَّة عن الأرض.
لنوء "الشَّرَطين" انعكاسات على الطبيعة، فبطلوعه يبدأ الاعتدال الرَّبيعي، وترتفع حرارة الجو. ولا يُستغرس فيه النخل، بل يشرع أصحاب الحرث بتركيب طلعه. وفيه بواكير التِّين، ووفرة التُّفاح، والمشمش، واليقطين. وتتدلَّى عذوق النخيل بعد مرور ثمانية أسابيع من نهاية التلقيح.
وفي الإمارات يزهر طيف من النباتات في منزلة "الشَّرَطين" منها: "الدِّفلى" (الحَبْن) التي تزيِّن مجاري السُّيول، و"الأشخَر" الذي يعشق رمال الصَّحراء، و"شوك الضَّب"، و"الحَرْمل" الذي تُطرد بدخانه الأرواح الشرِّيرة، و"الخناصر" الذي لا يبارح جبل "حفيت"، و"العلَّان"، و"الكِسْكاس"، و"شوك اليمل" (الجمل)، و"العرفج" الذي تؤثره المطايا وجبة فاخرة، و"النيلة"، و"الخبَّيزة"، و"العظلم" الذي يحمل هويَّة أخرى باسم "حباب"، و"الشليلة"، و"الخزام" ذو البذور القابضة للبطن، و"العشرج" الذي يُؤْثر الصحراء سكنًا، و"الحلول"، و"الحنزاب"، و"الفريفرو"، وغيرها من النباتات.
والعرب تعتقد أنَّه إذا عُقِد النِّكاح في "الشَّرطين" تموت الزَّوجة في عامها.
يقول ساجع العرب: "إذا طلع الشَّرَطان، اعتدل الزَّمان، وحضرت الأوطان، وتهادت الجيران، وبات الفقير في كلِّ مكان". يريد أنَّهم يرجعون عن البوادي إلى أوطانهم ومياههم لأنَّ الغدران تكون قلَّت، ورقَّ الحرُّ.
لـ "الشَّرَطين" نصيبٌ وافرٌ في أشعار العرب، كقول أبي العلاء المعرِّي في مدح أمير المؤمنين عَلي كرَّم الله وجهه:
لو تَأتَّى لِنَطْحِها حَمَلُ الشُّهْــ ـبِ تَرَدَّى عن رأسِه الشَّرَطانِ
أو أراد السِّماكُ طَعْنًا لها عا د كسِيرَ القَناةِ قبْلَ الطِّعانِ
وكتب أبو العلاء تحت كلمة "الشَّرَطين": يقال إنَّهما قرنا الحمل (كان أبو العلاء يصف السَّماء كمبصر وهو كفيف)، وقال:
سُبحانَ مَن بَرَأَ النُّجومَ كَأَنَّها دُرٌّ طَفا مِن فَوقِ بَحرٍ مائِجِ
لَو شاءَ رَبُّكَ صَيَّرَ الشَّرطَينِ مِن هَذي الكَواكِبِ عِندَ أَدنى ثائِجِ
وَالتَّاجُ تَقوى اللهِ لا ما رَصَّعوا لِيَكونَ زينًا لِلأَميرِ التائِجِ
وقال عبد اللطيف بن الكويك:
للهِ دَرُّ مَسائِلٍ هَذَّبْتَها وَنَفَيْتَ خَلْفًا عُدَّ خَلْفًا نَقْلُهُ
وَحَلَلْتَ إذْ قَيَّدْتَ بالشَّرَطَيْنِ ما أَعْيا عَلَى الْعُلماءِ قَبْلَكَ حَلُّهُ
فَعَلَا عَلَى الشَّرَطَيْنِ قَدْرُكَ صَاعِدًا أَوْجَ العلُومِ وَفَوْقَ ذَاكَ مَحَلُّهُ
ولأبي تمَّام في "الشَّرَطين": سَقى الشَّرَطانِ جَزْعَكِ وَالثُرَيَّا ثَراكِ بِمُسبِلٍ خَضِلٍ رَوِيِّ
فكَم لي مِن هَواءٍ فيكِ صافٍ غَذِيٍّ جَوُّهُ وَهَوًى وَبِيِ
وقال ابن أبي حصينة في المديح:
أَمِنَتْ بِهِ سُبلُ البِلادِ فَلا جَزَعٌ وَلا هَلَعٌ وَلا ذُعْرُ
وَبَنى لِقَيسٍ بِالقَنا شَرَفًا لَم يَبنِهِ جُشَمٌ وَلا بَكْرُ
شَرَفًا يَحِفُّ النِيِّرانِ بِهِ وَيَحُوطُهُ الشَّرَطانِ وَالنَّسْرُ
وقال ابن ماجد في أرجوزته:
الشَّرَطَانِ فَهوَ رَاسُ الحَمَلِ إبدَا بِذَا في وَقتِهِ المُعتَدِلِ
ثلاثُ نَجمَاتٍ كَمَا خَطِّ الألِف لكنَّهُ عَنِ القِوَامِ مُنحَرِفِ
وقال ابن معتوق الموسوي:
من مَعشرٍ لهمُ عَلى كُلِّ الوَرى شرَفُ النُّجومِ على حَصَى الأَرْضَيْنِ
سامٍ لِمُنْصِلِهِ وشِسْعَيْ نَعلِه فخرُ الهِلال ورِفعةُ الشَّرَطيْنِ
أمَّا إخوان الصَّفا، فكتبوا في رسائلهم عند نزول القمر بأوَّل "الشَّرَطين" أنَّه: "ناري نحس، يصلح فيه من الأعمال ما يختصُّ بأمور النِّساء، ويُتجنَّب فيه لبس الثياب الجدد، وترك الأعمال كلِّها بالجملة. وفي هذا الحد، تتحرك روحانية تتَّصل بأنفس الملوك والسَّلاطين، ويظهر فيهم الغضب. ومن تزوَّج في هذا اليوم، حظيت المرأة عنده، وحظي هو عندها. واغرُسْ فيه وازْرَعْ وابنِ البِناء، فإنَّ عاقبة كلِّ ذلك محمودة، ولا تشترِ فيه شيئًا للتجارة، فإنَّ عاقبته غير محمودة، ولا تعالج فيه طلسمًا( ) ولا دعوة بحال".
وفي الأساطير يحكى أنّه كان لملك "تساليا" Thessaly طفلان جميلان من نيفيلي Nephele هما "فريكسوس" Phrixus و"هيلا" (Helle)، وكانت زوجته، "إينو" Ino تعاملهما بقسوة. لكنَّ الطفلَيْن آثرا الصمت وراحا يسألان الآلهة الخلاص من هذه المرأة المتسلطة، فهما لا يملكان قوة لدفعها عنهما. أشفق عليهما "عطارد"، رسول الآلهة، وأرسل إليهما حملًا له صوف ذهبي لإنقاذهما. فأردفهما الحمل المقدَّس فوق ظهره في رحلة طويلة وشاقَّة، وعند مروره بمضيق الدردنيل الفاصل بين قارَّتي آسيا وأوروبا، سقطت "هيلا" في البحر وغرقت، مما أجَّج حزن شقيقها "فريكسوس". واصَلَ الحملُ السَّماوي رحلته إلى شواطئ "كولشيس" Colchis في البحر الأسود، فلمَّا وصل، ذبحه "فريكسوس" من فوره وقدَّمه قربانًا للآلهة، وأخذ صوفه وقدَّمه هديةً لملك المدينة، واعترافًا لفضل الحمل لتحمله لمشاق الرحلة وأهوالها رفعه زعيم الآلهة جوبيتر إلى قبة السماء.
ويعود أصل الحمل إلى "بوسيدون" Poseidon، (بو صيدون إله البحار، وتنسب له مدينة صيدا)، الذي هام بالعذراء "تيوفانه" Theophane وأغرم بها كثير من الآلهة والبشر على السَّواء، ولكي يستأثر بها لنفسه، حوَّلها إلى نعجة، ونقلها إلى جزيرة "كروميسا" Crumissa ، كما حوَّل نفسَه إلى كبشٍ عظيم، وتزوجها، وأنجب منها الحمل خريسومالوس Khrysomallos ذا الجزَّةِ الذَّهبية، والذي تعادل جزَّتُهُ ما وسع العالم من كنوز.

No comments:

Post a Comment