Tuesday, May 2, 2017

محادثات مع غوته


بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، قامت «القرية الإلكترونية» بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «عمار جمال»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم
---------
الاثنين، 9 فبراير، 1823.
وجدتُ غوته هذا المساء وحده في المنزل، كان يديرُ محادثة مع ماير. كنتُ أطالع ألبوماً ينتمي لأوقات في الماضي، يحتوي على كتابة بخطّ اليدِ للعديد من الرجال المشهورين، مثل لوثر، إيراسموس، موشيم، وغيرهم. وقد كتب الأخير الكلمات الرائعة التالية باللغة اللاتينيّة:"الشُهرة هي مصدر الكرب والحزن؛ بينما تكمن السعادة في البقاء في الظلام".
الاثنين، 23 فبراير، 1823.
استمرّ غوته لعدة أيام مريضاً على نحو خطير. بالأمس كان في حالة ميؤوس منها. ومع ذلك، في هذا اليوم جاءت الأزمة التي يبدو أنها أنقذته. لكنه هذا الصباح استمر في القول إنه يائس. لاحقاً، في الظهيرة، قال إنه يخالجه الأمل في التعافى؛ ومرة أخرى، مع مجيء المساء، قال إنه في حال نجا، ولابد من السماح بذلك، لرجل عجوز، سيقوم بمخاطرة عالية جداً.
الثلاثاء، 24 فبراير، 1823.
كان هذا اليوم باعثاً على القلق في ما يخصَ غوته، لأنَّ الظهيرة لم تشهد تحسُّناً مماثلاً لما كان عليه الأمس. وفي نوبة ضعف أخبر زوجة ابنه: "أشعر أنَّ اللحظة التي تصطرع فيها الحياة والموت قد ابتدأت داخلي". ومع ذلك، في المساء، استحوذ المرض على وعيه الفكري الكامل، حتى إنه أظهر خفة لعوبة. "أنت خجول جداً مع العلاجات الخاصة بك"، قال لرحبين. ''كنتَ بخيلاً معي كثيراً: عندما يكون لديك مريضٌ مثلي، يجب على المرء أن يعمل قليلاً بأسلوب نابليون"، ثم شرب كوباً كاملاً من مُستخلص نبات العطاس المغلي، الذي استخدمه هوسكه في اللحظات العصيبة من يوم الأمس، وكانت قد أظهرت بشائر إيجابية. أعطى غوته وصفًا جميلًا لهذا النبات، مطرياً بحماس تأثيره. قيل له إنَّ الأطباء لن يسمحوا للدوق الأكبر برؤيته: فهتف غوته: "هل أنا الدوق الكبير". "لقد سألت عنك كثيرا، وأزعجت نفسي بخصوصك". وفي تلك اللحظة شعر أنه أفضل حالاً، وعندما بدا صدره أقل إرهاقاً، بدأ بالتحدث بسهولة وإدراك واضحيْن، وعندها همس رحبين في أذن شخص جالس دون أن ينبس ببنت شفة: "إنَّ التنفس الأفضل يجلب معه بشكل عام إلهاماً أفضل". غوته، الذي سمع هذا القول، هتف على الفور بنبرة سارة جدا، "كنتُ أعرف ذلك منذ فترة طويلة، ولكن هذه الحقيقة لا تنطبق عليك أيها الضال". جلس غوته مستقيمًا على سريره، مواجهاً الباب المفتوح ناحية الغرفة التي ينجز فيها أعماله، حيث اجتمع أصدقاؤه المقربون دون علمه. بدت لي ملامحه متغيرة قليلا. كان صوته واضحًا وجليَّاً، ومع ذلك كان هناك وقارٌ في لهجته مثل ذلك الذي لرجلٍ يحتضر. حيث قال لأبنائه: "تعتقدون أنني أتحسن، ولكنكم تخدعون أنفسكم". سعينا بطريقة مرحة لإخراجه من مخاوفه، وبدا أنه أخذ الأمر بحسٍّ ساخر. كان عدد أكبر من الأشخاص يدخلون الغرفة باستمرار، الأمر الذي رأيته غير صائبٍ بأي حال من الأحوال، لأنَّ وجود عدد كبير من الناس يفسد الهواء دون مبرر، ويعيق الحاضرين عن المريض. لم أستطع أن أتحدث عن ذلك، لذا نزلت إلى الغرفة السفلى، حيث أرسلتُ نشراتي إلى سموها الإمبراطوري. وقد أيَّد غوته فكرة إعطاء تقرير عن العلاج الذي مُنح له حتى الوقت الحاضر؛ كما قرأ أيضاً قائمة بالأشخاص الذين استفسروا بشأن حالته الصحية، وكان عددهم اليومي كبير جدًا. بعد ذلك استقبل الدوق الكبير، ولم يبْدُ مرهقاً خلال زيارته. وجدتُ عدداً أقل من الأشخاص في غرفة عمله في هذا اليوم. وبعد ذلك لاحظتُ، بفرح، أنَّ ملاحظتي التي كتبتها بالأمس كانت مثمرة بطريق جيدة. والآن بعد أن زال المرض، يبدو أنَّ الناس يخشون العواقب. كانت يده اليسرى متورمة، ويبدو أنَ هناك تهديدات بأعراض داء الاستسقاء. لم نعرف لبعض أيام النتيجة النهائية للمرض. اليوم، للمرة الأولى، استفسر غوته عن أحد أصدقائه؛ ماير، الذي يُعتبر أقدم صديق له. وقال إنه يود أن يُريه الميدالية النادرة التي حصل عليها من بوهيميا، والتي كانت مصدر بهجة له. جئتُ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً. وعندما سمع غوته نبأ وصولي، دعاني إلى جانبه. أعطاني يده، قائلا: "أنت ترى شخصاً بُعِث من بين الأموات". ثم كلفني أن أشكر صاحبة السمو الامبراطوري على التعاطف الذي أبدته خلال مرضه. "انتعاشي سيكون بطيئًا جدا"، وأضاف، "ولكن، على الرغم من ذلك، سيكون الأطباء هم من يتلقى شرف المعجزة الصغيرة التي فعلوها لي". بعد بضع دقائق انسحبت. كان لون بشرته جيدًا. إلا أنَّ جسده نحل كثيراً، ولا يزال يتنفس بقليل من الألم. ويبدو لي أنه يتحدث بصعوبة أكبر مما كان عليه الأمر بالأمس. وكان تورم الذراع اليسرى واضحاً جداً. كما كان يبقي عينيه مغلقتين، ويفتحهما فقط عندما يتحدث.

الاثنين، 2 مارس، 1823.
كنتُ هذا المساء في منزل غوته، الذي لم أكن قد رأيته لعدة أيام. جلس على أريكته، وكانت معه ابنته وريمر. كانت صحته أفضل بشكل لافت للنظر. وقد انتعش صوته وعاد لنبرته الطبيعية. كما كان تنفسه حرّاً. ولم تعد يده منتفخة. وظهر مرة أخرى على ما كان عليه في حالته الصحية. كما كان حديثه سهلا. قام من على الكرسي ومشى إلى غرفة نومه وعاد دون أي مجهود. احتسينا معه الشاي؛ ولأنها كانت المرة الأولى، وبَّخت زوجة غوته بمرح بسبب نسيانها وضع باقة زهور منعشة على صينية الشاي. بسرعة، أخذت شريطاً ملوناً من قبعتها، وربطته على جرة الشاي. ويبدو أنَّ هذه النكتة قد منحت غوته سروراً كبيراً. بعدها قمنا بمعاينة مجموعة من المجوهرات المقلدة تلقاها الدوق الأكبر من باريس.
السبت، 22 مارس، 1823.
في يوم احتفال استعادة غوته عافيته، تمّ تقديم مسرحية "تاسو" على المسرح، مع مقدمة كتبها ريمر، وألقتها فراو فون هيجندورف على مسمع الجمهور.
زُيِّن تمثال غوته النصفي بتاج مصنوع من الغاردينيا وسط إعجاب صاخب من المتفرجين المتحمسين. بعد انتهاء الأداء، ذهبت فراو فون هيجندورف إلى منزل غوته. وكانت لا تزال في زي ليونورا، وقدَّمتْ إلى غوته تاج تاسو. حيث أخذه وزيَّن به تمثالًا نصفيًا للدوقة الكسندرا.
الأربعاء، الأول من أبريل ، 1823.
أحضرت لغوته من صاحبة السمو الإمبراطوري عدداً من "مجلة ديس موديس" الفرنسية، والتي نشرت مناقشات بخصوص ترجمة أعماله، وفي هذه المناسبة تحدثنا عن كتاب "ابن أخ راماو" الذي فُقد منذ زمن طويل. حيث يعتقد العديد من الألمان أنَّ الأصل لم يوجد قطّ، وأنّ الكتاب هو من اختراع غوته الخاص. ومع ذلك، أكّد غوته أنه كان من المستحيل بالنسبة له تقليد أسلوب ديدرو المفعم بالحيوية وطريقة عمله، وأنَّ النسخة الألمانية من راماو ليست سوى ترجمة مخلصة جداً للأصل الفرنسي.
الجمعة 3 أبريل 1823.
قضينا جزءًا من هذا المساء لدى غوته، وذلك رفقة السيِّد كودراي، المهندس المعماري الحكومي. تحدثنا عن المسرح، والتحسينات التي طرأت عليه مؤخرا. "لقد لاحظتُ ذلك دون الذهاب إلى هناك"، قال غوته ضاحكاً. " قبل شهرين كان أطفالي يعودون دائمًا إلى منزلهم في حالة من المزاج السيئ، غير راضين بتاتاً عن الترفيه الذي تم تقديمه، ولكنهم الآن يسلكون بصورة مختلفة، يأتون وعلى محياهم إطلالة بهيجة، لأنهم يستطيعون، من حين لآخر، إطلاق صرخة استحسان. بالأمس مُنِحوا هذه ''المتعة في البكاء*" عند مشاهدتهم دراما لكوتزيبو.
الاثنين، 13 أبريل، 1823.
هذا المساء كنتُ وحدي مع غوته. تحدثنا عن الأدب، واللورد بايرون، ومسرحياته ساردانابالوس وفيرنر. ثم عرجنا بالحديث عن فاوست، وهو موضوع يتحدث عنه غوته بشكل متكرر ورغبة. وأعرب عن رغبته ترجمته إلى الفرنسية، بأسلوب فترة ماروت. كما اعتبرها المصدر الذي استمد منه بايرون نبرة "مانفريد". يعتقد غوته أنَّ بايرون قد أحرز تقدمًا في مسرحيتيه المأساويتين الأخيرتين؛ وذلك بسبب أنهما تبدوان أقل قتامة وكراهية لبني البشر. تحدثنا بعد ذلك عن نص "زوبرفلوت"، الذي كتب غوته تكملة له. لكنه لم يجد بعد مؤلفًا موسيقيًا لمعالجة هذا الموضوع بشكل صحيح. كما اعترف بأنَّ الجزء الأول الشهير مليء بالاحتمالات والدعابات التي لن يستطيع الجميع فهمها وتقديرها؛ قائلاً إنه لا يزال يتعين علينا السماح للمؤلف في جميع الأحداث أن يفهم، إلى حد كبير، فن إنتاج آثار مسرحية كبيرة عن طريق التناقضات.
الأربعاء، 15 أبريل، 1823
كنتُ هذا المساء لدى غوته، بصحبة الكونتيسة كارولين إغلوفستين. مزح غوته بشأن الروزنامات الألمانية، وبعض المنشورات الدورية الأخرى. حيث جميعها مُجتاحة بالمشاعر السخيفة، التي تشكِّل الضروريات اليومية والحالة السائدة للأشياء. ألقت الكونتيسة بملاحظة أنَّ الروائيين الألمان هم من ابتدأ الأمر، عن طريق إفساد ذوق القراء العديدين؛ والآن القراء يفسدون الروائيين، لأنه، من أجل العثور على ناشر لمخطوطاتهم، يجب أن يتوافقوا والذوق السيئ السائد للجمهور.
الأحد، 26 أبريل، 1823.
وجدتُ كودري وماير لدى غوته. تحدثنا عن مواضيع مختلفة. حيث ذكر غوته، بين أمور اخرى أنَّ "مكتبة الدوق الكبير تحتوي على مجسَّم لكرة أرضية، صنعها رجل إسباني في عهد تشارلز الخامس، وتوجد على سطحها بعض النقوش الرائعة، على شاكلة، (الصينيُّون شعب يحمل تشابهاً قوياً مع الألمان)".
واصل غوته الحديث: "في الماضي، تم تصوير الصحارى الإفريقية على الخرائط، مع تمثيل للحيوانات البريّة، بينما في الوقت الحاضر، تمَّ التخلي عن هذا العرف، وفضَّل الجغرافيون تركنا مع تفويض كامل".

No comments:

Post a Comment