Tuesday, May 30, 2017

العم سعيد وابن عمّه الخليجيّ


العم سعيد وابن عمّه الخليجيّ
استدعاني #الوالد حفظه الله على حين غرّة، وقال: هل أنت مرتبط الساعة بعملٍ ما؟
فقلت له: أنا طوع إشارتك. قال: سأصلي المغرب عند عمك سعيد بمنزله في (فريج المحاربة الجديد)
فقلت: إذن سأوافيك إلى هناك.
بعد الصلاة جمعنا مجلس في الهواء الطلق، كان طالع #الشرطان يسبغ على الطبيعة في المساءات الظبيانية  مناخاً جميلاً، وكان المشتري يتألق في سماءنا تلك الليلة كشمعة بعيدة، وأمَا السماك الأعزل فلقد كان يبدو وراءه جليّا في كوكبة العذراء.
والسماك الأعزل عند العرب من الكواكب الشامية. ونوءه أربع ليال. وهو نوء غزير مذكور، ولقد ذكره المتنبي في آخر قصائده التي أنشدها في شيراز عام 965م، وفيها قال:
فلَوْ سِرْنَا وَفي تِشرِينَ خَمْسٌ  رأوْني قَبلَ أنْ يَرَوُا السِّماكَا
أخبرت #العم_سعيد أن الناس يترقبون قراءة حكاياته في وسائل التواصل الاجتماعي، وترى في هذا الضرب  من الكتابة "التاريخ الاجتماعي" لدولة الإمارات بعينه.
فقال العم وقد لاحت على محيّاه علائم الاهتمام: إذا كان هذا تاريخاً فلماذا لا تشرعوا بتدوينه وكتابته، ففي جعبتي الكثير من الحكايا والمواقف والطرائف.
فقال الوالد وقد بدا أنه يستعدّ لحرث منطقة بعينها من ذاكرة العم سعيد الثريّة: اسأله يا محمد عن حكايته مع جاره الخليجيّ وهما على المركب قاصدين الهند.
 -بعد هنيهة- استجمع العم سعيد تفاصيل الحكاية وبيئتها، وقال: كانت السفن التي تقصد الهند من ثلاث درجات، بحسب إمكانية المسافر، وكانت الدرجة الثالثة منها مخصصة للمعوزين ومحدودي الدخل، فتجلس الأسر المسافرة على سطح السفينة في مساحات مربعة يفصلها عن بعضها رواقٌ قماشيّ، وكانوا يجلبون معهم الشول -الكول- (جمع شولة وهي نوع من المواقد التي تعمل بالجاز -القاز-) ويطبخون ويتسامرون ويضطجعون فيها.
وفي تلك السفرة تحديداً، أقضّ مضجع العمّ سعيد جارٌ خليجيّ في رواق ملاصق لرواقه، فلقد كان الرجل بديناً جسيماً، هائلا، وكانوا كلما أرخوا الرواق القماشي، قام الرجل من فوره ورفعه، حتى كاد العمّ أن يشبتك معه، وكان العمّ في فورة شبابه، وكما قال عن نفسه (إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلّد).
ذهب الجار ليتبضّع بعض الحاجيات من بائع آسيوي على ظهر السفينة، ودخل في مشادّة مع البائع الضئيل الحجم، ويبدو أنه استصغر شأنه، بيد أن البائع كان من النوع الذي يحسن تسديد اللكمات، فاختلفا بضربتين استقرت فيهما قبضة السيوي على وجه الرجل الخليجيّ فانهار كما ينهار سدٌ عظيم وسقط مغشياً عليه.
أردف العم سعيد: لم أتمالك نفسي، فتحرّك فيّ عرق غامض، وانقضضت على الآسيويّ، فلم يشعر بي إلا وأنا ممسك بحلقومه، وبدا عنقه الضئيل مستسلما تحت قبضتي، وكان لقصر يديه لا يستطيع بلوغ وجهي بلكماته. فحاول جاهداً أن يفكّ تلك الأصابع التي بدت له وكأنها مقبض من حديد، فاختنق.
 فصرخ العم سعيد بجاره الذي استعاد لتوّه الوعي: "قم خذ قضاك" (يعني خذ حقك)، ولكن قبضة الآسيوي كانت لا تزال تفعل فعلها فيه، فأحجم عن ذلك، ولم يجرؤ على أن يمدّ اصبعاً نحو الرجل الآسيوي، وربما فكّر أن العودة إلى رواقه القماشي أسلم له.. أما العم سعيد فلم يرخ قبضته عن حلقوم الرجل الآسيويّ إلا بعد أن جعله يقسم أغلظ الإيمان أن يعتزل الملاكمة على ظهر السفينة.


No comments:

Post a Comment