Thursday, June 15, 2017

802 عام على #الماجنا_كارتا



"تحتفل بريطانيا بمرور 802 عام على صدور الماجنا كارتا"، قلت للوالد ونحن نسير في جنائن ريجنت في يوم ربيعيّ شذيّ النسمات، فراح ينصت باهتمام، وهي أول وثيقة دستورية في التاريخ، وثيقة ملكية بريطانية التزم فيها الملك جون بالقانون الإقطاعي والمحافظة على مصالح النبلاء في عام 1215م، وتُعدُّ معلمًا بارزًا من معالم تطوّر الحكومة الدستوريّة في بريطانيا. وانتفعت بها معظم البلاد الغربية في القرون اللاحقة، لأن كثيرًا من الأقطار الديمقراطيّة اتبعت نهج القانون الإنجليزي في إنشاء حكوماتها.
أما عن التسمية فالماجنا كارتا كلمتان لاتينيتان، معناهما في العربيّة "العهد الأعظم". وبمقتضى هذا العهد أُجبِر الملك جون على أن يمنح الأرستقراطية البريطانية كثيرًا من الحقوق، بينما لم ينل المواطن البريطاني العادي من الحقوق غير النَّزر اليسير.
أجبر النبلاء الإقطاعيون الملكَ على الموافقة على الماگنا كارتا في عام 1215.
ووقع هذا الحدث التاريخي في منطقة رِنميد، وهي سهل ممتد على طول نهر التايمز يقع جنوب غربي لندن. ويوجد هناك نصب تذكاري تخليدًا لذكرى هذا الحدث.
ومن الخطأ القول بأن وثيقة الماجنا كارتا كفلت الحريات الفرديّة لجميع الشعب، ففي القرون اللاحقة، أضحت نموذجًا يحتذى بالنسبة لأولئك الذين طالبوا بإقامة حكومات ديمقراطية وكفالة الحقوق الأساسية لكل مواطن. أما في الوقت الذي صدرت فيه، فكانت أهميتها الكبرى في إخضاع الملك لحكم القانون، وكبح جماح السلطة المطلقة.
الأسباب الدافعة للماگنا كارتا
قام النورمنديون الذين قدموا من شمالي فرنسا بفتح #بريطانيا في 1066، واستطاع ملوك قادرون وقتئذ حكم البلاد لأكثر من مائة عام.
وقد احترموا القوانين الإقطاعية وحكموا بالعدل، دون أن تكون هناك رقابة حقيقية على سلطة الملك. ولما تولى الملك جون العرش في عام 1199 أساء استخدام سلطته، فطالب الإقطاعيين بمزيد من الخدمات الحربية أكثر مما طالبهم الملوك الذين سبقوه، وباع الوظائف الملكية لأكبر المزايدين.
وزاد من أعباء الضرائب دون الحصول على موافقة النبلاء الإقطاعيين، خلافا لما جرى به العرف الإقطاعي. وكانت المحاكم في عهد جون تفصل في القضايا حسب رغبته وأوامره لا طبقًا للقانون. ومن خسر دعواه تعرض لدفع غرامة طاحنة.
القانوني #إدوارد_كوك فسـَّر الماجنا كارتا بأنّها تسري ليس فقط على حماية النبلاء، ولكن على كل رعايا التاج بالتساوي. وقد قال مقولته الشهيرة: "الماجنا كارتا هي ذلك الرفيق الذي لا يقبل بسيـِّد فوقه."
وفي عام 1213 اجتمعت جماعة من النبلاء مع قيادات الكنيسة في سانت ألبانز، بالقرب من #لندن، ونادوا بالحد من سلطة الملك، وصاغوا قائمة الحقوق التي طالبوا أن يمنحهم إيّاها، ولكنّه رفض الاستجابة لمطالبهم مرتين. وعقب ذلك، حشد النبلاء جيشًا لإجبار الملك على تحقيق مطالبهم. ورأى جون أنّه لا يستطيع هزيمة الجيش المناوئ، فوافق على المطالب في 15 يونيو 1215. وبعد أربعة أيام، أصدر عددًا من المواد في صورة وثيقة ملكيّة مكتوبة بصياغة قانونية، وتمّ توزيع صور منها في سائر أرجاء المملكة.
اشتملت الماجنا كارتا على 63 مادة، تعهد الملك في معظمها بالالتزام بالقانون الإقطاعي. وكانت تهدف أساسًا لحماية مصالح النبلاء والمنتمين إلى الطبقة الإقطاعية. ومنحت بعض المواد الكنيسة حرية ممارسة سلطاتها دون تدخل من الملك. ولم تكن هناك غير مواد قليلة كفلت بعض الحقوق للطبقة الوسطى الناشئة في المدن.
ولم يذكر المواطنون العاديون وغيرهم من المزارعين في الوثيقة إلاً نادرًا رغم أنهم الأكثرية الغالبة من السكان. وأضحت بعض مواد الوثيقة المطبقة على الطبقة الإقطاعية في عام 1215م، مواد ذات أهمية وفائدة لكلّ أفراد الشعب فيما بعد. فلقد نصّت الوثيقة مثلاً، على أنه يجب على الملك أن يسعى للحصول على مشورة وموافقة النبلاء في كلّ المسائل المهمة في بريطانيا. ونصّت أيضًا على أنه لايجوز زيادة أيّ ضرائب خاصة إلا بموافقة النبلاء. واستخدمت هذه المواد فيما بعد، لتأييد الحجة القائلة أنه لايجوز إصدار قانون أو فرض ضريبة دون موافقة البرلمان الإنجليزى (الجهاز التشريعي الممثّل للشعب).
أضحت بعض المواد الأخرى أساسًا للعدل في العصر الحديث في الدول الغربية. فلقد نصّت إحداها على أنّه لايجوز سجن رجل حر أو تجريده من ممتلكاته أو نفيه إلى خارج البلاد أو الإضرار به، إلا بموجب حكم شرعي يصدر من أنداده (أفراد طبقته) أو بموجب قانون البلاد.
وفي العصر الحديث، يُعدُّ مفهوم الوسائل القانونية السليمة بما في ذلك حقُّ مطالبة المتهمين بالمحاكمة أمام محلفين، تطويرًا لتلك المادة، ففي عصر جون لم تكن هناك محاكمات تُجرى أمام هيئة محلَّفين على النحو المألوف في القضايا الجنائية في العصر الحديث.
وتضمنت الماجنا كارتا كثيرًا من المواد التي قُصد بها إلزام الملك بتنفيذ وعوده، ومن ثم شُكّل مجلس من النبلاء لضمان جديّة التنفيذ. فإن أخلَّ الملك بما التزم به ولم يأبه بإنذارات مجلس النبلاء، حشد المجلس جيشًا لإجباره على الانصياع لأحكام الوثيقة.
”من جون ملك إنجلترا بعناية الله تعالى.... إلى كبار أساقفته، وأساقفته، ورؤساء أديرته، وحملة ألقاب إيرل وبارون... وجميع رعاياه الأوفياء. تحية. اعلموا أننا بهذا العهد الحاضر نؤكد عنا وعن ورثتنا إلى أبد الدهر:
1- أن ستكون كنيسة إنجلترا حرة لا يعتدي على شيء من حقوقها وحرياتها..
2- أننا نمنح جميع الأحرار في مملكتنا، عنا وعن ورثتنا إلى أبد الدهر، جميع الحريات المدونة فيما بعد...
12- ألا يفرض بدل خدمة أو معونة.. إي المجلس العام لمملكتنا.
14- لكي يجتمع المجلس العام المختص بتقدير المعونات وبدل الخدمات.. سنأمر باستدعاء كبار الأساقفة، والأساقفة، ورؤساء الأديرة، وحملة ألقاب إيرل، وكبار البارونات في البلاد ... وغيرهم ممن هم تحت رياستنا...
15- لن نجيز في المستقبل لكائن من كان أن يأخذ معونة من مستأجريه الأحرار (غير الأرقاء)، إلا إذا كان ذلك لافتدائه، أو تنصيب ابنه الأكبر فارساً، أو مرة واحدة لزواج ابنته الكبرى؛ ولن تكون المعونة في هذه الحالة إلا معونة معقولة...
17- لن تعرض الشكاوي العادية على محكمتنا، بل ينظر فيها في مكان محدد.
36- لن يعطى أو يؤخذ بعد الآن شيء نظير أمر يطلبه شخص ببحث حاله... بل يجب أن يعطى هذا الأمر بغير مقابل (أي أنه يجب ألا يطول حبس إنسان من غير محاكمة).
39- لا يقبض على رجل حر، أو يسجن، أو ينزع ملكه، أو يخرج من حماية القانون، أو ينفى، أو يؤذي بأي نوع من الإيذاء... إلا بناء على محاكمة قانونية أمام أقرانيه (أي المساوين له في المدينة) أو بمقتضى قانون البلاد.
40- لن نبيع العدالة أو حقاً من الحقوق لإنسان ما ولن نحرم منها إنساناً ما.
41- يتمتع جميع التجار بحق الدخول في إنجلترا والإقامة فيها والمرور بها براً أو بحراً سالمين مؤمنين للشراء والبيع... دون أن تفرض عليهم ضرائب غير عادلة.
60- كل العادات والحريات السالفة الذكر... يجب أن يراعيها أهل مملكتنا كلهم، سواء منهم رجال الدين وغير رجال الدين، كل فيما يخصه، نحو أتباعهم.
وقعناه بيدنا بحضور الشهود، في المرج المعروف باسم ريمنيد في اليوم الخامس عشر من شهر يونيه من السنة السابعة عشرة من حكمنا.
#محمد_أحمد_السويدي

No comments:

Post a Comment