Tuesday, July 25, 2017

أحمد مصطفى الخطّاط الملهم - 2


«أحمد مصطفى الخطّاط الملهم» (2)
|| #محمد_أحمد_السويدي_ || #مقالات || #لندن
قال أحمد: يا عزيزي محمد، الحياة سفينة تمخر بحارا، وتقف أحياناً للتزود بالماء والطعام فيذهب المسافرون ويضربون في عرض هذه الجزيرة، فيجد بعضهم أحجارا كريمة، والبعض منهم تشغله الاحجار عن موعد الرحلة، والبعض الآخر يعود محملا بأحجاره إلى السفينة، فتؤرقه وتقضّ مضجعه لأنه لن يجد مكاناً يستريح فيه بعد أن احتلّت الأحجار مساحته في السفينة، أما المسافرون ممن لا يكترثون بالأحجار فهم في خلوة وراحة بال، فيقول صاحب الأحجار مخاطبا احدهم: يا أخي هنيئا لك الأحجار إن وهبتني مكانا أنام فيه دون ان يقض مضجعي شيء.
كان أحمد يضرب بهذه الحكاية مثلاً لمن وهبهم الله السكينة التي تشغلهم عن المغريات والزخرف، ثم أخبرني عن بحث له اسمه (الكتابة الفلكية) أو (كتابة الفلك) وقال إن السريانية والآرامية والعبرية تتكون من 22 حرفا، وبعض اللغات لها حروف كثيرة أو لغات مقطعية غير أبجدية تتكون من مئات المقاطع كل منها يدل على شيء بذاته، أما العربية فتتكون من 28 حرفا. ثمّ اردف: إن الفم والحلق يتحكمان في مخارج الحروف وليس هناك من لغة في الأرض إلا لغة واحدة تستعمل الجهاز الصوتي بشكل كامل، أما بقية اللغات فتستعمل أجزاء منه.
فقلت له وما هو ارتباط هذا الموضوع بالفلك وعلومه؟.
فقال: إن منازل القمر عددها 28 منزلا.
ثم أخرج تحفة فنيّة مذهّبة وهي عبارة عن مكعب مكون من عشرة مكعبات صغيرة أي عشرة في عشرة في عشرة
وعندما فتح قلب المكعب وجدت أنه يتكون من مثلثات، وقال إنها طريقتي في تعريف الواحد الدال على الكثرة، وربطها بمصطلح اللانهائية، كما ربط العبارة القرآنية (ألف سنة مما تعدون) وقال إنه يرمز فيها إلى اللانهائية ولفظة (ألف) مكونة من المتوالية الرقمية 10× 10× 10 أي ذات دلالة المكعب الذي يحمله بيده.
ثم بلمسة أخرى أظهر أن أحد أضلاع المكعب مكون من عشر مكعبات صغيرة..
كانت العملية ذات طابع رياضي يستثمر فيها المكعب بسطوحه الستة المتساوية والتي يتعامد كل منها على الآخر في علاقتهم ببعضهم، مما يترتب عليه وجود ثمانية قمم، وبالتحقيق الرياضي البسيط يمكننا أن ندرك أنه إذا قسمت كتلة أي مكعب إلى ألف من الوحدات المكعبة المتساوية (10 في 10 في 10) عند ذلك يمكننا التعرف من خلال أضلاع المثلث المتساوية التي تلتقي لتكوين إحدى القمم.
كما تعتبر في نفس الوقت قمة كتلة هرمية تتماس نقاط قاعدتها مع ذلك المثلث. وبفتح الجزء في أي من الاتجاهات الثلاثة الممكنة بمقدار 180 درجة لينطوي سطح أحد جوانبه على مقابله المتبقي من نفس السطح في المكعب الرئيسي، عندئذ يتكشف لنا أن عدد المكعبات الداخلية الصغرى هو 99 مكعباً يحمل كل منها اسما من أسماء الله الحسنى مكتوب في النمط الكوفي المربع.
قال أحمد إنه أطلق على عمله هذا تسمية (البعد الخفي للمثلث)، وهو عمل للتعبير عن قداسة الدلالة التي يحويها المكعب، كما يفصح عنها تمثيل ثلاثي الأبعاد للمكعب نفسه. 
وموضوع المكعب مستمد من الرسالة التي كتبها أبو حامد الغزالي 450 - 505 هـ بعنوان (المقصد الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى). 
وأراد أن يكون المكعب تصوير موضوعي للعلاقة العميقة بين الواحد والمتعدد. أو لنقل بمزيد من الدقة إنه تجسيم للحديث النبوي المشهور (إن للّه تسعة وتسعين اسماً: مائة إلا واحداً. إنه وتر يحب الوتر. من أحصاها دخل الجنة).
وبعبارة أخرى نقول إن المكعب المائة الظاهري الذي يمثل مكعب القاعدة عند فتح أي جزء ينبغي أن يطرح من العد السطحي لمائة مكعب داخلية محصورة في نطاق فتح هذا الجزء، لأنه لا ينتمي إليها بل ينتمي إلى جزء يغايره في الاتجاه. وبذلك يصبح من الواضح أن عبارة «مائة إلا واحداً» ليست من قبيل المحسّنات البلاغية ولكنها إشارة إلى حقيقة رياضية.
والعمل الفني الذي نحن بصدده هو بمثابة دليل بصري يفتح لنا مغاليق العلاقة بين الأسماء الكلّيّة التسعة والتسعين وبين الاسم الجامع أو الحقيقة الواحدة المحيطة بكل الحقائق، وهذا هو مفهوم اللانهائية كما اشار إليه وسعى إلى تحقيقه بصريا.
لأن كل مكعب صغير داخل المكعب الرئيسي يمكن أن ينفتح على مزيد من المكعبات الفرعية إلى ما لا نهاية.
إن الإحتمالات التي تنتجها هذه المتواليات الرياضية الهندسية تجعل اعتمادها على المثلث كوحدة هندسية أساسية يقودنا إلى فيثاغورس والفتح الذي فتحه الله عليه عندما اهتدى إلى علم المثلثات ونظريته التي هي نظرية في الهندسة الإقليدية، وتنص على أنه في أي مثلث قائم الزاوية يكون مجموع مربع طول الضلعين المحاذيين للزاوية القائمة مساويا لمربع طول الوتر.
ثم سرد حكاية أنه في ذات يوم سأل أحد التلامذة إقليدس قائلاً: ما جدوى كل هذه النظريات، هل باستطاعة نظرياتك أن تكسبك درهماً واحداً؟.
فرد عليه اقليدس بقوله: يا جاهل إن كل فكرة أو درس أمليه عليكم هو خطوة للإقتراب من الخالق.
ثم تحدث عن اللسان وقال إن اللسان الوحيد الذي له عظم هو لسان الإنسان فألسنة الحيوانات للأكل فحسب، ويسمي العرب هذا العظم بالعظم اللامي، وهنا تحدث حديثاً منسوباً للنبي محمد عن حرف اللام، وبأن اللام ألف حرف مقدس وهو مدخلنا إلى الإسلام: لا إله إلا الله.
ثم قال عندما أخبرته عن البورصة وقصتي مع أولغا (وبل سروبي): هناك كتاب سيهديني إياه لكاتب إيطالي يقول فيه: إن السوق في البورصة مرتبط بهذه النسبة 1 إلى 1.618 وقال إن هذا الرقم كوني موجود في الشجر والحجر والحيوان وسائر الموجودات ثم تناول كفي وأخذ الإبهام وقال إن الفقرة الأولى في الإبهام تساوي 1 والثانية تساوي 1.618 والثالثة هي كل ذلك العدد، أي أن هناك نوعا من النسبة والتناسب.
ثم تداولنا حديثا أعادنا إلى الطرف الآخر من الدائرة متعلقا بأمر البعثة، للمقارنة والمقايسة بين مفهومين، فقال وكأنه يستعيد حدثا لم تمر عليه سوى هنيهة من الزمن: عندما رتبوا لي أمر البعثة من مصر اضطررت ملزما في مرحلة لاحقة إلى إعادة النفقات للحكومة المصرية.
أما في الجانب الآخر عند مناقشة درجة الماجستير، وبعد ان أنجزت عملي ذهبت إلى لقاء (لجنة المناقشة) المكونة من خمسة مناقشين بدرجة الدكتوراه، وما أن دخلت حتى وجدت السيدة نيكوليت تجلس منقبضة، فتوجهت إلى اللجنة وكنت أحمل معي رسماتي. فقال لي أحدهم: لا أظنّك ستجتاز هذا الاختبار.
فقال ألهمت الشجاعة لأرد عليه قائلا: أنتم جميعاً لستم مؤهلون لمعرفة ما عندي من علم وإني أطالبكم بمحكّم يحكم بيننا. فأجابوني إلى ما طلبت وجاءوا بمحكم وهو مايكل روجرز.
ثم قال: عندما قدمت ورقتي بحضور البروفيسور رالف أند ويلسون وكان واحدا من الحجج الكبيرة، ولم يكترث لقراءة البحث الذي أمامه، بل اكتفى بقراءة مسرد فهارسه وكانت قائمة غنية بالمراجع والمصادر والإحالات. فقال: إنني على علم بكل كتاب ورد في فهارسك وليس عندي إلا سؤال واحد: كيف اهتديت إلى ما ذهبت إليه في بحثك؟
فقال: صدمني السؤال، ولم اكن خططت لمواجهته، وكنت في حال من الرهبة، فقلت: لقد جاءني في الرؤيا.
فرد عليه البروفيسور قائلاً: أهنؤك على أطروحتك وجوابك لأنه ليس هناك من جواب مقنع سوى هذا الجواب. 
ثم قرأ أحمد الحديث القدسي: من طلبني وجدني، ومن وجدني عرفني، ومن عرفني أحبني، ومن أحبني عشقني، ومن عشقني عشقته، ومن عشقته قتلته، ومن قتلته فعلي ديته، ومن كانت علي ديته فأنا ديته، ومن كنت أنا ديته كنت مناصبا بين عينيه لايسهو إذا سها الناس.
فقرأتُ قول جلال الدين بنصّه الفارسي أول الأمر، وترجمته إلى العربية: محصلة عمري ليست إلا أشياء ثلاث: كنت طريّا فطهيت فاحترقت..
وعندما جلسنا إلى مائدة الغداء سرّ كثيراً بالوجبة المكونة من شوربة خضار على الطريقة الجلالية والمشاوي والرز.، فقال لم أر ولم أذق رزا كهذا من قبل، وكان من النوع البسمتي طويل الحبة.
فقلت له يا أخ أحمد بوسعك أن تسمّي حبات الرز بأسمائها.
فضحك وقال: اجتمع اثنان على مائدة فقال أحدهم ما أعجب هذا الرز فرد عليه صاحبه بل الأعجب من ذلك ما تقوله حبة الرز للحبة الأخرى.
فقلت له: عفا الله عباس مهاجراني عندما قال ذات مرة: إن كل لقمة مكتوب عليها أنت لفلان بن فلان بن فلان.
بينما كنت أسمعه وأصغي إلى صوت مهاجراني الغائب تذكرت حديثا يقول: علمت أن رزقي لا يأكله أحد غيري، فاطمأنت نفسي.


No comments:

Post a Comment