Thursday, July 20, 2017

أحمد مصطفى الخطّاط الملهم


|| #محمد_أحمد_السويدي_ || #مقالات || #لندن
زارني اليوم شخصية هامة، وهو الفنان والمصمم والخطاط المصري الدكتور أحمد مصطفى، من مواليد الأسكندرية بمصر عام 1943، ويُعدّ حجة في مجال الفن والتصميم الإسلامي، بدأ عمله فنانا تصويريا يستمد آليات إبداعه من عصر النهضة قبل أن يتجه إلى تخصيص جانب كبير من أعماله لتكوينات مستمدة من القرآن الكريم، وتمكن من خلق نسيج متوافق بين موهبته كمصوّر وكخطاط معا.
يقيم ويعمل في #لندن منذ عام 1974 حيث يدير فيها مركزاً للفن والتصميم، وهو مركز الفنون الذي أنشأه في عام 1983، ويقوم بالأمر بموازاة عمله أستاذا زائرا في معهد أمير ويلز للعمارة بلندن وفي جامعة وستمنستر بلندن الفنون الجميلة بالاسكندرية.
وأعماله الفنية مقتناة في كبريات المتاحف والمجموعات الخاصة في عديد من بلدان العالم.
تحصّل أحمد مصطفى على الباكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة الاسكندرية بدرجة الامتياز في عام 1966 وفي عام 1974 فاز بمنحة لمواصلة الدراسات العليا في التصميمات المطبوعة بالكلية المركزية للفن والتصميم في لندن وحصل على دبلومها العالي في عام 1975 ثم درجة الماجستير في 1978 وعمل محاضرا في فن الخط الإسلامي بالكلية ذاتها. وفي عام 1989 وبعد بحوث مضنية طيلة أحد عشر عاما حصل الفنان على درجة الدكتوراة من المجلس القومي (البريطاني) لمنح الدرجات الأكاديمية عن دراسته بعنوان (الأساس العلمي لأشكال الحروف العربية) وهي الدراسة التي أعدها في الكلية المركزية للفن والتصميم بالتعاون مع المتحف البريطاني. وسعى في بحثه إلى كشف النقاب بدقة عن الشبكة الهندسية التي يقوم عليها (الخط المنسوب) والمعايير التي حددها ابن مقلة لكتابة أشكال الحروف العربية والتي لم تزل متّبعة إلى يومنا هذا لما يزيد على ألف سنة من وضعها.
سبق للفنان والخطاط أحمد مصطفى أن زارني في #المجمع_الثقافي أبان فترة التسعينات، وسعى إلى تذكيري بزيارته تلك التي قابل فيها السيدة / ريم متولي. أما لقاؤنا اللندني فلقد رتّبه السيد/ حسن إسماعيل.
كان الفنان قد أنجز أطروحة بعنوان (ماهية الإبداعية في الإسلام) ويقول إن الناس تستطيع أن تتعرف على روح قوم ما من فنونهم. ومن عرف لغة قوم آمن شرهم، فدائماً ما يُستدّل على الشعوب من خلال فنونها وما أنتجته من أفكار ثم تلا الآية: "أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" سبأ -11
والسابغات -كما يرد من مصادر التفسير هي العمل الفني في أرقى وأتم مراحله، أو دلالة عليه باستعارة صناعة الدروع التامات، والخطاب موجّه لـ "داود"، وفي تفسيره نجد اتفاقا على أن الدروع السابغات تعني: كوامل تامات واسعات.
أما في مجال عمله في التصوير قبل أن يتوجه إلى مباحثه في الحرف العربي وجمالياته وآفاقه، فلقد قال أنه عندما كان في كلية الفنون في الاسكندرية كان قادرا على استظهار كتاب فازاري عن عصر النهضة.
كان الحديث معه شبيها بالدوائر، فكلما خرجنا من دائرة وجدتُ أن هناك مصادفة كان لها وقع وتأثير على حياته في إحدى مراحلها، فحياته مجموعة من المصادفات الغريبة.
ففي إحداها وكان يوشك على الانتهاء من دراسته، قرأ مقالاً عن "ابن مقلة"الوزير والمهندس والخطاط، وكان المقال يتناول خط الشمال العربي أو الخط المنسوب، وهو ما يعرف بخط الثلث الذي يكتب بثلث القلم وكان هذا بين عامي 74 و 75 ، فلقد كان في حينها في مكتبة مركز الفنون في لندن حيث عثر على مقالة في صحيفة أميركية صادرة عام 1939 بعنوان (عطاء ابن مقلة لخط الشمال العربي) وكانت المقالة عبارة عن حوار بين أكاديميين غربيين حول نظرية ابن مقلة في الخط المنسوب. قال: فوقعت في حيرة من أمري فلم أكن أعرف شيئا عن موضوع حديثهما. فسألت مدير المكتبة ما إذا كان يعرف بعض الإصدارات حول نظرية (الخط المنسوب) فأجابني في مرة لاحقة بأن عليّ التوجه إلى السيدة "نيكوليت كري" في المكتبة، وهي استاذة تاريخ الحرف الروماني، وقد تكون على دراية بهذه النظرية على الرغم من أنها تبحث في ثقافة مختلفة.
وأضاف: بعد لقائي بـ "كري" وحين قرأتْ المقالة قالت: إن تلك النظرية تبدو مثيرة ولكنها لم تسمع بها، ثم استطردت بأنها ستطرحها على "بازل كري" - وهو عالم شهير ومدير المتحف البريطاني ومؤرخ لفن المنمنمات الإسلامية.
ثم اقترحت على السيد/ أحمد تسجيل العمل على درجة الماجستير للإبانة عن ماهية نظرية ابن مقلة في الخط المنسوب وهي التي استعصت على الأكاديميين طيلة قرنين ونصف القرن. فقال لها إنني مبتعث وبلادي تريدني أن أعود.
فأخبرته إن كان لديه استعداد للمواصلة فسيدخل في المرحلة الثانية من أجل التفرّغ للبحث، فأبدى موافقته واستعداده خصوصا بعد أن عرف أنها زوجة "بازل كري" وهو الأمر الذي سيفتح أمامه مغاليق عدّة.
فأخرجت له منحة في منتهى الكرم وكان جزءا منها يشتمل على تغطية زياراته إلى مصر وإقامته في فندق ذي خمسة نجوم، فقال لها أنا مصري وهذه كلها أرضي، ويمكنني أن أتوفر على كل ما أحتاج إليه فيها فقالت: هذا حقك، ولن يمنّ عليك أحد بشيء.
ثم أخبرني أنهم كرماء في تمويل مثل هذه الدراسات بعد أن يتيقّنوا من جدواها وقدرتها على الإضافة. أما العمل الذي أشترك فيه فهو ( كنه المعرفة الغيبية في الحرف) وهذه المعرفة الغيبية في الحرف هي التي سكّ فيها وظهرت بتأثيرها السيريالية والتي هي كما يصفها: المعرفة بالبعد الغيبي للأشياء. يقول النفري: الحرف ناري ومستودع سرّي.
ثمّ قال: أنا رجل بدأت من الصفر فلا علم لي بهذا الموضوع قبل أن أشرع به وبدأت أعود لابن مقلة وأفتّح أبواب نظريته وأشرعها على رؤوس الأشهاد.
فلقد جاء في الأثر ما معناه أنه إذا أراد الله أن يفتح باباً لإدراك جديد يشترط عليك أن تكون أمياً فيه.
ومن الحكايات التي رواها عن أبي الحسن الشاذلي، أنه ذهب يجدّ في البحث عن قطب الزمان في بغداد فقالوا له: قطب الزمان نزيل عندكم في المغرب، وعندما سأل عنه فقالوا: إنه عبد السلام بن مشيش.
و "مشيش" عالم ومتصوّف عاش في زمن الخلافة الموحدية وهو أستاذ المتصوف أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية. ولد بمنطقة بني عروس بالقرب من مدينة طنجة في عام 559 هـ وتوفي مقتولا على أرجح الأقوال في عام 626 هـ حيث قتله جماعة وجههم ابن أبي الطواجن، بالجبل المسمى بالعلم، جنوبي غرب مدينة تطوان ودفن بالقرب منه، حيث ضريحه الآن يُعدّ مزارا يحجّ إليه خلقٌ كثيرٌ طيلة العام.
ولعل من بين أعظم آثاره صلاته المعروفة بالصلاة المشيشية، وتُعدّ نصا فريدا من بين التجليات التي سجلها أدب التصوف ولقد عكف كثير من العلماء على شرحها وإيضاحها، ولعل أقدم من تناولها بالشرح العلامة محمد بن أحمد بن داود التونسي المعروف بابن زغدان (ت881ھ).
وكذلك وصاياه التي كان يردّدها على مريده أبو الحسن الشاذلي والتي يقرنها البعض بوصايا لقمان لبراعة أسلوبها ومتانة سبكها ودقة معانيها.
ونقل السيد /أحمد الحكاية الشهيرة عن أبي الحسن الشاذلي عندما قصد بغداد بحثا عن قطب الزمان فالتقى فيها بأبي الفتح الواسطي، وعندما سأله أين يظفر بالقطب، فقال إنه في المغرب من حيث أتيت، فهو ليس سوى العارف والقطب عبد السلام المشيشي، فقفل الشاذلي راجعا إلى الجب وترك كتبه خلفه وقال: قصدته إلى جبل العلم، وصعدت إلى خلوته خاوياً من كل شيء وجلست عند قدميه ثمانية أعوام. ثم قال لي يا أبا الحسن أنت طليق فاذهب إلى أفريقيا واسكن ربوة شاذلة في تونس.
ومن يومها أطلق عليه سيدي أبو الحسن الشاذلي.
وهنا انهمرت دموع حسن إسماعيل مدراراً ودخل في نوبة نشيج، وكأنه صعد إلى جبل العلم، وهبط بعد أن ترك حسن الذي يعرفه منذ 78 سنة في حضرة القطب عبد السلام بن مشيش.
و... للحديث بقيّة.
محمد أحمد السويدي

No comments:

Post a Comment