Monday, August 28, 2017

منزلة "الطَّرْف"



منزلة "الطَّرْف" : 24 آب (أغسطس) – 5 أيلول (سبتمبر)
|| #محمد_أحمد_السويدي || #منازل_القمر
أدعوكم للتعرف على هذة المنزلة من مشروعنا #منازل_القمر والذي يعرض للتقويم الشمسي عند العرب، الذي اعتمد عليه أجدادنا حتى وقت قريب. وهو جزء من كتاب يصدر قريباً يحمل ذات العنوان "منازل القمر"
#محمد_أحمد_السويدي
"الطَّرْف" أوَّل طوالع نوء سُهَيْل " الصِّفْري" الأربعة ، وآخر أنواء الصَّيف، وسُمِّي عند العامَّة بالصِّفري لأنَّه كان يوافق دخول صفر. طالعه في 24 آب (أغسطس)، ومدَّته ثلاثة عشر يومًا.
وهو نجمان خفيَّان اعتقد العرب أنَّهما موضعا عَيْنَي "الأسد". يُقال "طَرَف فلان"، أي رفع طرفه فنظر، أو غضَّه استحياءً. ولجرير في هجاء الرَّاعي النُّميري:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّك مِنْ نُمَيْرٍ فَلَا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلَا كِلاَبَا
وفي العلوم الفلكية الحديثة فإنَّ "نجم الطَّرْف" (Alterf) عملاق برتقالي في كوكبة الأسد، قدره الظاهري 4.48، وزمرته الطَّيفيَّة GK 5، يبلغ قطره 49 مرة ضعف قطر الشَّمس، ويبعد عنها 336 سنة ضوئيَّة عن الطرف، وهو أشدُّ نجوم كوكبة "السَّرطان" لمعانًا.
وبطلوع "الطَّرْف"، يبرد الهزيع الأخير من الليل، ويُرى نجم "سُهَيْل" بالبصر. وفيه تُنشر أقمشة الصوف والجوخ (قماش مصنوع من الصوف الناعم) حتى لا يدخلها السُّوس. وفيه تبقى الرطوبة على ارتفاعها في السواحل، ويبدأ الليمون بالنضج، ويكتمل نضج الرمَّان ويطيب تناوله، ويُجنى التمر ويملأ الأسواق. وكأنني بأبي حاتم السجستاني يعني نفسه بقوله في "كتاب النخل":
فَعَاشَ يُرَوِّي أصولَ الفَسِيلِ فَعَاشَ الفَسِيلُ وَمَات الرَّجُلْ
وفيه تبدأ هجرة طيور الصُّفَار. 
ويُنصح البستانيون بزيادة سقي مزروعاتهم حتى نهاية أيلول (سبتمبر). ويُزْرع في "نوء الطَّرْف" البطيخ، والشَّمَّام، والبِرسيم الخريفي، والباذنجان، والذُّرة الصفراء، والقِثَّاء، والخيار، والملفوف، والقرع، ووفرة من الخضار والبقوليات. أمَّا من الأسماك، فيكثر فيه الربيب، والقفدار، واللحلاح، والبَسَّارةُ، والضلع، والصافي، والبدح. 
وفي الغالب، لا نعثر في كتب اللغة والمعاجم الموروثة، أو تلك التي أقرَّتها مجامع اللغة العربية، على أسماء هذه الأسماك أو حتى اصطلاحات تدلُّ عليها بأنواعها، فهي تكون في معظمها مما تواتر العوام على وضعه، وفي هذا دلالة على أنَّ اللغة العربية تلتفت إلى الرَّملِ وتتجنب الماءَ. وفي الأمثال، قالوا: "امْشِ شهرًا ولا تعبرْ نَهْرًا".
وفي "الإمارات" يزهر طيف من النباتات في "منزلة الطرف" منها: "الحبن" (الدفلى) حسنة المنظر، سيئة المخبر، و"الأشخر"، و"المرخ"، و"الخرز" الذي زاده الملح، و"الخريط"، و"الحنظل" الذي حبّذ شرابه "عنترة" بالعزّ، و"اللثب"، و"السدر" شقيق النخل لو كان للنخل شقيق، و"الطقيق"، و"العوسج" (الصريم) ترب "العرفج" (أبو سريع) في سرعة الإشتعال، و"شوك الضّب"، و"الصفير"، و"العشرج" الذي يزجل طربا كلّما حركته الريح، وغيرها. 
ويقسِّم العرب آب (أغسطس) إلى ثلاثة أقسام، لكلٍّ منها سمة تخصُّه، فيقولون "عشرةٌ من آب يذوبُ المِسمارُ في الْبَابْ، وعشرةٌ تُطيحُ الأَرْطاب، وعشرةٌ تفتحُ للشِّتاءِ الْبَابْ"، وذلك للدَّلالة على اعتدال المناخ وانحسار الحرِّ. ويعتقد العرب أنَّ الزَّواج في "الطَّرْف" يولِّد البغضَ بين الرجل والمرأة. 
ويقول ساجع العرب: "إذا طلعت الطُّرْفة، بكرت الخُرْفةْ، وكثرت الطُّرفةْ، وهانت للضيف الكُلفة". ويعني بـ "خرف" الثمر والمحصول، جنيه إذ يكون في أوان دخوله. أما "الطُّرفة" فهي ضرب من الأشجار القصيرة المعمِّرة، وتُعدُّ غذاءً للإبل ودواءً لها ولسائر حيواناتهم. و"تهون الكلفة للضَّيف" لكثرةِ الثَّمر وما تدرُّه الضروعُ أو ما يستنفضونه منها لفصال الأولادِ عن الأمهات.
أمَّا شهر آب، فجاءت تسميته من موسم جني شجر الآبو، وهو القصب والبردي، ثم انسحبت التسمية من الشجر، وأطلقت على المحيط الذي يَنْبت فيه، أي الماء، فصارت مفردة "آب" دالة على الماء في اللغة الفارسية.
قال ابن الفارض: 
مِثْلَ مسلوبِ حياةٍ مثلًا صار في حُبِّكُمُ مَسْلوبَ حَي
مُسْبِلًا للنأي طَرْفًا جادَ إنْ ضَنَّ نَوءُ الطَّرْفِ إذ يَسْقُطُ خَي
بَيْنَ أهلِيهِ غَريبًا نازحًا وَعَلى الأوْطانِ لم يُعْطِفْه ليّ
وقال ابن الساعاتي في الثناء على ابن عون وقد حضره وهو يرقّم رسمةً لنجومِ السَّماء: 
حَتَّى انثَنى جَيْشُ نَجْمِ الأُفْقِ مُنهَزِمًا وَالدَلوُ بُعْدًا عَنِ الأَوطانِ قَدْ نَزَحَا
وَقَد غَدا صَارِمُ المَرّيخِ يَلمَعُ في كَفِّ الثُّريَّـا وَلِلجَوزاءِ قَدْ ذُبِحَا
كَم شَقَّ مِنْ جَبْهةٍ صَفْحًا وَجارَ وَعَنْ قَطْعِ الذِّراعِ غَداةَ الضَرْبِ ما صَفَحَا
وَعايَنَ الطَرفُ أنَّ الفَرْقَدَيْنِ عَلى عَزْلِ السِّماكِ وَنَهْبِ البَلدةِ اصْطَلَحَا
ثُمَّ انْجَلى نَقْعُ ذاكَ اللَّيلِ حينَ بَدا وَجهُ ابْنِ عَونٍ وَنورُ الصُّبْحِ قَدْ وَضَحَا
وقال يوسف بن لؤلؤ الذَّهبي في أبياتٍ ضمَّنها توريةً بارعةً لـ "الطَّرْفِ" الدَّالِّ على النَّوْءِ، و"الطَّرْف" الدَّالِّ على الإبْصار: 
يا أُهَيْلَ الْجِزْعِ ما أَغْناكُمُ عَنْ حَيَا الأنْواءِ طَلًّا وُرُكامَا
فابعثوا نَحْوِيَ إذَنْ رَائدَكُمْ إنَّ نَوْءَ الطَّرْفِ عِنْدِي قَدْ أَقَامَا
وابعثُوا أشْبَاحَكُمْ لي فِي الْكَرَى إنْ أَذِنْتُمْ لجفوني أنْ تَنَامَا
وقال ابن لؤلؤ:
يا أهيل الجزع ما أغناكم عن حيا الأنواء طلاً وركاما
فابعثوا نحوي إذن رائدكم إن نوء الطرف عندي قد أقاما
وابعثوا أشباحكم لي في الكرى إن أذنتم لجفوني أن تناما
أمّا إخوانُ الصَّفا، فكتبوا في رسائلهم: "إذا نزل القمر بالطَّرْفة، فاعمل فيه نيرنجات القطيعة وعقد الشهوة خاصة، ولا تعملْ فيه الطلسم، ولا تدبِّر فيه الصنعة، ولا تدعُ بدعوات روحانية، ولا تُعالج فيه أحدًا البتَّة بشيء من العلاج. ومن يلبس فيه ثوبًا جديدًا خُشِيَ عليه من جراحة تصيبه فيه. ولا تدخلْ فيه على الملوك، فإنَّه من فعل ذلك لم تحمد عاقبة أمره وأعقبته حسرة وندامة. ولا تزرعْ فيه ولا تحصد غلَّتك ولا تسافرْ فيه. وحارب في هذا اليوم، فإنَّ من ابتدأ بمحاربة عدوه فيه وخالطه، ظفرَ بِهِ". 
هرقل وأسد نيميا
لأنَّ "الطَّرْف" من كوكبة الأسد تحكي الأساطير الإغريقيَّة أنَّ المهمة الأولى من بين مهام "هرقل" الاثنتي عشرة التي حدَّدها له ابن عمه "يورسيوس" Eurystheus هي قتل أسد "نيميا" Nemea (مدينة في كورينثيا Corinthمن بلاد اليونان). وطبقًا لرواية من روايات هذه الأسطورة أن أسد "نيميا" كان يتَّخذ النساء رهائن في عرينه في كهف قرب المدينة، ثم يغوي المقاتلين من القرى المجاورة على إنقاذ النساء المرتهنات، وبعد أن يدخل المقاتل إلى الكهف، يرى امرأة (تتظاهر عادةً بالإصابة)، فيُسرع إليها، وما إنْ يقترب منها حتى تتحول المرأة إلى أسد يقتل المقاتل ويلتهم جثَّته ويهدي عظامه إلى "هاديس" (إله العالم السُّفلي). 
طاف "هرقل" المنطقة إلى أن قدم إلى قرية تدعى "كليوناي" Cleonae، والتقى فيها بغلام قال له إنه إذا ذبح (هرقل) أسد "نيميا" وعاد حيًّا خلال 30 يومًا، فسوف تضحِّي القرية بأسد تقربًا لـ "زيوس"، ولكن إذا لم يعد خلال 30 يومًا أو مات، فسيقدِّم الولد نفسه قربانًا للإله "زيوس". 
وفي رواية أخرى للقصَّة نفسها، أنَّ "هرقل" التقى "مولوركوس" Molorchus، وكان راعي غنم فقد ابنه الذي اختطفه الأسد، فحلف أنه إذا عاد "هرقل" خلال 30 يومًا، فسيقدِّم كبشًا قربانًا إلى "زيوس"، وإن لم يعد خلال 30 يومًا، فسيضحِّي بهذا الكبش قربان حداد على "هرقل" الميت.
وأثناء بحثه عن الأسد، أحضر "هرقل" بعض السِّهام لقتاله، وكان لا يعلم أن فرو الأسد الذهبي منيع وصلب ولا يمكن اختراقه. ولمَّا واجه الأسد وأطلق عليه السِّهام، اكتشف تلك الميزة الوقائية التي يتمتع بها فروه حين ارتدَّ السَّهم من فخذه دون أن يسبِّبَ له أي أذى. وبعد كرٍّ وفر، أجبر "هرقل" الأسد على أن يعود إلى كهفه، وكان لهذا الكهف مدخلان أغلق "هرقل" أحدهما، ودخل بعد ذلك من الآخر. وفي هذا المكان المظلم، فاجأ "هرقل" الوحش عندما ضربه بهراوته، ثم انقضَّ عليه بقوته الهائلة وخنقه حتى مات. وأثناء القتال، عضَّ الأسدُ أحدَ أصابع "هرقل". 
وتحكي رواية أخرى، أنَّ "هرقل" رمى الأسد بسهامه إلى أن تمكن في نهاية الأمر من إصابته في فمه غير المُحصَّن، وبعد أن ذبح الأسد، حاول سلخ جلده بسكين كان يتزنَّر بها، لكنَّه فشل في ذلك، ثم حاول شحذ السِّكين بحجر، بل حاول أيضًا سلخ الأسد بالحجر نفسه. وأخيرًا، وبعد أن لاحظت "أثينا" المأزق الذي يعاني منه البطل "هرقل"، أخبرته بأن يسلخ جلد الأسد مستخدمًا مخالبه. ويقول آخرون إنَّ درع "هرقل" كان مصنوعًا من جلد أسد "سيثاريون" Cithaeron.

No comments:

Post a Comment