Thursday, September 21, 2017

منزلة الزُّبْرَة



الزُّبْرَة: 20 أيلول (سبتمبر) – 2 تشرين الأول (أكتوبر)
|| #محمد_أحمد_السويدي || #منازل_القمر
أدعوكم للتعرف على منزلة الزبرة من مشروعنا منازل القمر والذي يعرض للتقويم الشمسي عند العرب، الذي اعتمد عليه أجدادنا حتى وقت قريب. وهو جزء من كتاب يصدر قريباً يحمل ذات العنوان "منازل القمر"
"الزُّبْرَة"، ثالث أنواء "سُهَيْل" الأربعة (الصّفري)، وثاني أنواء الخريف، والمنزلة الحادية عشرة من المنازل الشَّاميَّة، وتسمَّى "الجمرة الثانية"، وطالعها في العشرين من أيلول (سبتمبر)، ومدَّتها ثلاثة عشر يومًا. قال العرب: "هي زُبْرَة الأسد"، أي كاهله (والكاهل مغرز العنق)، وتسمَّى أيضًا: "عُرف الأسد". 
وسُمِّيت "الزُّبْرَة" لشَعْرٍ يكون فوق ظهر "الأسد" مما يلي خاصرته، وعَدُّوا الجميع أحد عشر نجمًا، منها نجمان هما "الخراتان" والتسعة "الشعر"‏.‏ و"الخرتان" هما الزُّبرة والخراة، و"الخُرت" هو السريع من الذئاب.
ونجما "الزُّبْرَة"، ضمن مجموعة النجوم التي تشكِّل برج "الأسد"، الذي يبدو على هيئة أسد في كبد السماء، فمه فاغر إلى "النَّثْرَة"، وعلى رأسه حزمة نجوم مضيئة، و"الطَّرْف" على عنقه، و"الجَبْهة" على صدره، وقلبه الكوكب المضيء من "النَّثْرَة" (قلب الأسد) ، وهو ذو سطوع ملحوظ، وكاهله نجوم خفية لا تكاد تظهر، و"الخراتان" خاصرته، و"الصَّرْفة" ذنبه، وكفه المتقدمة في آخر "السَّرطان".
لكن الفلكي الكبير ميرزا محمد طارق بن شاه رخ المعروف بـ"ألوغ بيگ"، أو "ألوك بيك"، حفيد القائد المغولي تيمور المولود في السلطانيَّة شمال إيران عام 1394م، كان موفقًا عندما أطلق اسم "الظهر"، المتداول اليوم، على هذا النجم لموقعه على ظهر "الأسد"، لا منكبه.
العلوم الحديثة
في علوم الفلك الحديثة فإنَّ "الزُّبْرَة" (Zosma) نجم أكبر كتلة وأشدُّ حرارة من شمسنا، إلَّا أنَّه أقصر منها عمرًا، إذ سيصبح عملاقًا أحمر بعد 600 مليون سنة، ثمَّ قزمًا أبيض بعد ذلك. قدره الظاهري 2.53، وزمرته الطَّيفيَّة A4 IV، ويبعد نحو 58 سنة ضوئيَّة عن الأرض، وأمَّا نجم "الخراة" (Chort)، فقدره الظاهري 3.3+، وهو نجم عملاق تبلغ كتلته 2.5 ضعف كتلة الشَّمس، وزمرته الطَّيفيَّة A2 V، ويبعد 165 سنة ضوئيَّة.
وبرج "الأسد" معروف بالاسم ذاته عند الكلدانيين، والهنود، والفراعنة، وشبَّهه قدماء المصريين بأبي الهول، وقدَّسه الفرس، وصوَّروه حاملًا الشَّمس على ظهره.
المظاهر الطبيعية
مع دخول " الزُّبْرَة " يبدأ المناخ بالتَّغَيُّر، فاليوم الرَّابع من نوء "الزُّبْرَة" أي في 23 أيلول (سبتمبر) يدخل الاعتدال الخريفي، إذ تتعامد الشَّمس على خط الاستواء، ويتساوى طول الليل والنهار، وتزداد فيه برودة الليل، وتسكن الرياح، وتهطل الأمطار الغزيرة، ويكثر فيه جذاذ النخل، وينتهي صرامه. ويحلو الرُّمَّان وتهاجر طيور القُمْري، وتُسقى المزروعات بكثرة، والنخيل منه على وجه الخصوص ويحين فيه ختام موسم الغوص على اللؤلؤ. ويزرع في "الزُّبْرَة" البقدونس، والذرة الشَّاميَّة، والبطاطا الحلوة، والفجل، والكوسا، والبصل، والبِرسيم، والطماطم، والملفوف، والقرنبيط، والشَّمندر، واللفت، والكرَّاث، والجرجير، والقرعيات، والذُّرة، والبطاطس، والخس، والجزر، ونباتات الزينة، والأشجار الخشبية كالكافور، والكين، وفسائل النخيل والنجيل، ويزرع فيه ما يزرع في طالع "الجَبْهة". 
وفي "الإمارات" تزهر طائفة من النباتات في منزلة "الزُّبْرة" منها: "الحَبْن" أو "الدِّفْلى" الذي عناه الشَّاعر بقوله: "أمرُّ من "الدِّفْلى" وأحلى من "العسل"، و"الأشخَر" الذي يتطيَّر منه، و"المرخ" الذي عناه القائل: "في كلِّ شجر نار، واستُمجد "المرخ" و"العفار"" (في تفضيل بعض أهل الفضل على بعض)، و"الخرَيط" الذي يؤثر الجبال والوديان الصخريَّة، و"الحنظل"، و"اللثب"، و"السِّدر" الذي لا بدَّ دون نبقه (نبج) من إبره (شوكه)، و"العوسج" الذي قيل في ثمره: "أشدُّ حُمْرة من مُصْعة"، و"الطقيق"، و"بربين الجدي"، و"الحسك" ومنه "حسك السَّعدان" الذي قيل فيه: "كأن جنبه على "حسك السَّعدان" (من القلق والتململ)، و"الهَرْم"، وغيرها. 
ويعتقد العرب أنَّ الزَّواج في الزُّبْرة جيِّد حسن.
يقول ساجع العرب: إذا طلعت الزُّبْرَة، طاب الزَّمان، وجني البُسْر (قبل تحوُّل البلح إلى رُطَب) في كلِّ مكان".
قال الوزير أبو القاسم الحسين بن علي المغربي في قصيدة طويلة يصف فيها النجوم: 
وَهَقْعَةُ الجوزاء فُسـ ـطاط عمودٍ منتصبْ
ومنكبٌ كوجهِ مَبـ ـثورٍ للحظ المرتقبْ
وَهَنْعَةٌ كأنَّها قو سٌ لندَّافِ عُطُبْ
و"العُطب": القطن.
وقال ابن ماجد من شعر له في "الخرتَيْن": 
والخَرَتَانِ فَهُمَا نَجمَانِ ثُمَّ لَهُ الزُّبْرَةُ اسمٌ ثَانِي
وقال القاضي التَّنوخي: 
كأنَّما الزُّبْرة حِبَّان فذا من سائر الناس بذا قد اكتفى
وقال الشريف الطُّوسي في "الخَرَتيْن": 
الخَرَتَان في الدُّجى فنيقُ
يجمعه والأَسَدَ الطريقُ
لوجهه في حندسٍ فريقُ
قد قُيِّدَتْ في جَريهِ بروقُ
كأنه في شرقِهِ بَطْريقُ
تؤمه من الروابي نوقُ
للخمرِ في يمينه إِبريقُ
و"الفنيق" هو الفحل المُكْرَم، لا يؤذَى ولا يُركَب لكرامته.
وقال أبو نواس:
أما رأيت وجوه الأرض قد نضرت وألبستها الزرابي نثرةُ الأسدِ 
جاء في رسائل إخوان الصَّفا عن نزول القمر في "الزُّبْرة": "اعمل فيه نيرنجات عطف قلوب الملوك والأشراف والإخوان خاصة. واعمل فيه الطلسمات، ودبِّر الصَّنعة، وادعُ فيه بالدعوات، وعالجْ فيه من الأرواح، وادخلْ فيه على الملوك واسعَ في أعمالهم، واتصلْ بالإخوان والأشراف، وازرعْ واحصدْ واكتلْ غلَّتك، وتزوَّج، واشترِ الرقيق والدَّواب، والبسْ ما أحببت من جديد الثياب، وسافرْ، ودبِّر تدبير الحرب، واستفتحْ الأعمال كلها، فإنَّ ذلك كلَّه محمود العاقبة، نافذ الروحانية، حسن الخاتمة، تام الزكاء والبركة. ومن ولد فيه ذكرًا كان أم أثنى كان سعيد الجد، مستورًا صالحًا، ميمونًا على والديه وأهل بيته، محمودًا في النَّاس". 
ولأنَّ الزُّبْرة في كوكبة الأسد، فتحكي الأساطير الإغريقيَّة إنَّه لمَّا صارع "هرقل" إله نهر "أتشلوس" Achelous وهزمه، اتخذ البطل "ديانيرا" Deianira زوجة له، ولمَّا عزم على الرحيل إلى "تيرنز" Tiryns، كان عليه هو وزوجته عبور نهر متدفق سريع. فعرض قنطور يُسمَّى "نسيوس" Nessus، على "ديانيرا" المساعدة فى عبور النهر، أمَّا هرقل فعليه أن يعبره سباحة. وكان "نيسوس" مثال القناطير الخبيثة المؤذية، فقد حاول اختطاف "ديانيرا" والهروب بها. فاكتشف هرقل الخدعة، فثار وصوَّب سهمًا من سهامه التي كان قد غمسها في دم الهيدرة السَّام وأطلقها على "نيسوس". وفي لحظة احتضار القنطور فكَّر بالانتقام، فأعطى "ديانيرا" قميصه المرقَّع بالدماء، مخبرًا إياها أنَّ "هذا سيزيد من حبِّ زوجها لها إذا ارتداه". وبعد مرور بضع سنين أشيع أنَّ هناك منافسة لها فى حبِّ "هرقل"، فتذكَّرت كلام "نيسوس"، وأرسلت القميص إلى زوجها هرقل، وكان الدم المسمم لا يزال على القميص، وما إن ارتدى"هرقل" القميص حتى سرى السُّم في جسده، آكلًا جلده ولحمه وكاشفًا عن عظامه. وقبل أن يموت، ألقى "هرقل" بـ"ليتشاس" خادمه الذي أعطاه القميص بعد أن أخذه من "ديانيرا" في النهر، ظنًّا منه أنه هو من قام بتسميمه. وفي روايات أخرى يقال إن "ليتشاس" Lichas تحوَّل إلى صخرة في النهر تحمل اسمه. وراح هرقل يعدِّد مهامه الاثنتي عشرة، ومنها قتل أسد نيميا، بعد ذلك انتزع "هرقل" بعض الأشجار وقام بإنشاء محرقة، حيث أشعلها له صديقه، وبعد أن أُحرق لم يتبقَ منه إلا جزؤه الخالد، وقد جعله "زوس"مقدسًا، ورفعه إلى جبل الأولمب بعد موت جزئه الفاني.

No comments:

Post a Comment